العدد 5485
السبت 21 أكتوبر 2023
banner
ثلاث قنوات غربية على المحك
السبت 21 أكتوبر 2023

تابعت أوائل الشهر الجاري حلقة من برنامج حواري "منتدى الصحافة" على قناة "فرانس 24"، والذي استضاف ثلاثة ممثلين عن ثلاث قنوات غربية ناطقة بالعربية تحظى بشعبية معقولة في عالمنا العربي؛ لتمتعها بقدر معقول من الموضوعية والحرفية، قياساً بقنواتنا العربية، وهي كل من BBC وDW و"إذاعة مونت كارلو، شقيقة فرانس 24"، وكان موضوع الحوار كيف تضمن كل قناة من هذه القنوات الثلاث حرية التعبير الشخصية لمحرريها، بمنأى عن أداء ومنهج القناة الإخباريين، ذلك بأن هذه القنوات واجهت إشكاليات عملية في كيفية الفصل بين حق المحرر والمذيع في التعبير عن آرائه السياسية الشخصية، وبين ألا يُحسب رأيه معبراً عن القناة التي يعمل فيها. ولعل أشهر إشكالية ظهرت في الـ BBC إثر تغريدات لمقدم برنامجها الرياضي غاري لينكر، أحد نجوم كرة القدم السابقين، حيث دافع في واحدة منها عن حقوق المهاجرين ووصف سياسة بريطانيا تجاههم بأنها لا تختلف عن ألمانيا النازية، وأنها سياسة قاسية تستهدف الأشخاص الأكثر ضعفاً، وهو ما أثار سخط عدد من النواب والحكومة، باعتبار BBC قناة محايدة وممولة من دافعي الضرائب، وهذه القناة اضطرت بدورها إلى مراجعة قواعدها، لتمنع بموجبها بعد المراجعة إعلامييها من تأييد أي حزب في فترة الحملات الانتخابية، وعدم دعم أية حملة تحمل وسم (هشتاغ)، لكن ممثل BBC لفت الانتباه إلى أن قناة DW فصلت ثلاثة إعلاميين منها استناداً لتغريدات لهم اُعتبرت معادية للسامية، مع أن تلك التغريدات تمت قبل انضمامهم للقناة!

لم تمض سوى أيام قليلة على بث ذلك البرنامج حتى وقعت أحداث "طوفان الأقصى" وما تبعها من مجازر وحشية متواصلة ترتكبها سلطات الاحتلال بحق أهالي غزة، حتى أضحت هذه القنوات مجدداً على المحك، خصوصا BBC، ليس في مدى صدقيتها وموضوعيتها في طريقة تناولها تلك الأحداث فحسب، بل ومدى التزامها بضمان حرية التعبير الشخصي لمذيعيها ومحرريها، إذ أقدمت القناة الأخيرة على التحقيق مع ستة من الإعلاميين العرب العاملين في بعض مكاتبها في الشرق الأوسط على خلفية بثهم تغريدات شخصية متعاطفة مع المحنة التي يمر بها سكان غزة ومنددة بالمذابح الإسرائيلية المرتكبة بحقهم.


والحال أن هذه القنوات الثلاث الأوروبية، مازالت عاجزة في كثير من الأحيان عن عدم الخضوع لتأثير ضغوط اللوبيات الصهيونية في الدول التي تعمل فيها، سيما في المؤسسات السياسية، والمؤسسة البرلمانية، والقوى السياسية الكبرى، وما اتهامها لمحرريها بمعاداة السامية، لمجرد انتقادهم إسرائيل، إلا أكبر دليل على تقييدها حرياتهم الشخصية في التعبير عن آرائهم الخاصة لحساب تلك اللوبيات.


وبذلك يغدو الإعلاميون العرب العاملون في هذه القنوات - رغم أدائهم المتميز - مقيدين في التعبير عن آرائهم الشخصية بقيود الضوابط المحددة لهم من القنوات العاملين فيها، وهم في ذلك أشبه بالأعضاء الحزبيين الذين لا يحق لهم علنياً التعبير عن آرائهم المخالفة عن رأي أو موقف الحزب!

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .