بداية لابد لنا من الاعتراف بالديمقراطية التي يكفلها النظام السياسي الإسرائيلي لمواطنيه، ولو مصممة على طريقته الخاصة، فعدا أنها كفلت لعرب 48 الذين عجزت عن تهجيرهم في نكبة 48 ليستفيدوا مما يمكن الاستفادة منها، على كل نواقصها وعنصرية تطبيقها تجاههم، ليختطوا بذلك طريقهم النضالي السلمي الذي يتماشى مع ظروفهم الملموسة، نقول: عدا ذلك فإن الدولة العبرية وفرت لمواطنيها حق حرية التعبير في مطلق الأحوال والظروف تقريباً، وهذا ما نلمسه من مقالات عديدة تُنشر هذه الأيام في الصحافة الإسرائيلية منتقدةً سياسات الحكومة بشدة متناهية تجاه الفلسطينيين، وملقية مسؤولية أحداث “طوفان الأقصى” بالكامل على حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة. مع أنه في مثل هذه الأحوال تستطيع هذه الحكومة التذرع بأنها في حالة حرب وتفرض حالة الطوارئ، أو تمنع تلك المقالات، كما تفعل كثرة من حكومات العالم، بما فيها الدول الغربية الديمقراطية. 
ولعل واحداً من آخر هذه المقالات ما كتبه الكاتب الإسرائيلي الشهير جدعون ليفي في صحيفة “هآرتس”، محملاً رئيس الحكومة نتنياهو مسؤولية الأحداث الجسيمة الراهنة، جراء سياسة الغطرسة التي تتبعها حكومته تجاه الكارثة الإنسانية في غزة، واصفاً ما جرى في “طوفان الأقصى” بأنه يمزق حجاب تلك الغطرسة، مبدياً تعجبه من عدم تعلم إسرائيل الدروس والعِبر من فشل أهداف اعتداءاتها السابقة، لتهدد مجدداً بمحو غزة بأكملها، وكأنهم - على حد تعبيره - لم يكرروا هذه التهديدات منذ حرب 1948، أو لم يعاقبوا غزة مراراً منذ ذلك التاريخ. فمن في الغرب قرأ هذا المقال والتفت لتساؤلات الكاتب عن سر استمرار صمود الغزاويين وإصرارهم طويل الأمد على المقاومة؟ ورغم أن الغرب، وعلى رأسه أميركا، ما انفك يتباهى بالديمقراطية الإسرائيلية الوحيدة في المنطقة كما يزعم، إلا أنه قلما التفت إلى صوت العقل والضمير التي تمثله تلك الكتابات المعارضة داخل إسرائيل، منحازاً انحيازاً أعمى للموقف الرسمي الإسرائيلي، فهو لا يسمع ولا يرى ما يُرتكب بحق مليوني إنسان محاصرين على بقعة صغيرة في القطاع منذ نحو عشرين عاماً، بل يتعامى كلياً عما ارتكبته سلطات الاحتلال من جرائم إبادة وحصار مشدد فوق الحصار الأصلي، فيقدم على خنقهم بقطع الكهرباء والماء والغذاء والدواء!. 
* كاتب بحريني