في مثل هذه الأيام من أوائل أكتوبر من كل عام ومع اقتراب إعلان الفائزين بجوائز نوبل في
في فروعهاالمختلفة تنشط بورصات التوقعات بالأسماء الفائزة، سيما في مجالي الأدب والسلام، ولطالما
كانت لجنة نوبل المعنية موضع تشكيك في نزاهة اختياراتها ، لأسباب غالباً
ما تكون سياسية أو حتى دينية، بل وحتى في مجالات العلوم التطبيقية كالفيزياء؛ لأسباب جندرية،
حتى أن الكاتب المتخصص في مجال العلوم والفيزياء ماثيوفرانسيس اعترف بأن القائمين على الجائزة في هذا المجال يفضلون الرجال، وعلى الأخص الأوربيون والأمريكيون بشكل عام. وفي عالمنا العربي
كانت الشبهة دائما تتعلق بتحيزات نوبل لوجهة النظر الغربية في الموقف من القضية الفلسطينية
والصراع العربي الاسرائيلي. وعندما فازبها نجيب محفوظ في الآداب عام 1988بكل جدارة واستحقاق، سيما أنه كان
يستحقها منذالستينيات، بل أن طه حسين أول من تنبأ له بالعالمية منذ الخمسينيات،
بيد أن غلاة اليسار ربطوا فوزه بموقفه المؤيد لعملية السلام حينئذ، وكان تأييده لها نابع من رأيه
وقناعاته الشخصية التي كان يجب أن تُحترم، أخطأ الرجل في اجتهاده أم أصاب، سيما وأن الرجل يشهد له سجله الوطني الطويل لم تكن له أية حسابات منفعية من ذلك الاجتهاد.
وقبل نجيب محفوظ كان طه حسين قبل رحيله عن عالمنا غداة حرب أكتوبر 1973، هو أكثر أديب عربي
وفي العالم الثالث تعقد عليه التوقعات السنوية بفوزه بها، وبخاصة طوال عقد الستينيات، وتخيب هذه التوقعات سنة بعد، هذا بالرغم من أن زوجته فرنسية، ونال شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون
بفرنسا، ويتقن الفرنسية بطلاقة مُدهشة، ولربما هو أول وزير كفيف في العصرالحديث في ظل نظام
ليبرالي ملكي، أيا تكن المآخذ عليه، وأحد المؤسسين لكلية الآداب ، بخلاف دوره التنويري، فكل ذلك لم
يشفع له أن تلتفت نوبل لاستحقاقه جائزتها ، سواء في مجال الآداب أم في مجال السلام ! حتى أن عدد المرات التي جرى توقع أن ينالها في مجال الأدب بلغت ثلاث عشرة مرة حتى عام 1971، وحسب الإعلامي المصري الدكتور ياسر
ياسرإحدى وعشرين مرة. ويُعد العميد أول أديبعربي يتم ترشيحه للجائزة، وكان ذلك عام 1949، وكاد أن
يفوز على منافسه الأميركي ويليام فوكنر ، لولا تدخلات لوبي سياسي معادٍ للعرب من خلف كواليس
اللجنة رجحت في اللحظات الأخيرة كفة الأخير
وكانت القيادة المصرية منذ مطلع ستينيات القرن تبذل قصارى جهودها ليكون طه حسين على قائمة
المرشحين لنيل جائزة نوبل، بدءاً من مساعي وزير الثقافة ثروت عكاشة أثناء زيارته لباريس لنيل
الدكتوراه وسعيه عند دور النشر الفرنسية وفي مقدمتها "مؤسسة جاليمار للنشر" لتتبنى ترشيحه عند لجنة نوبل، بعدما أدرك أن الحكومات لا يحق لها الترشيح كما أراد،بل المؤسسات العلمية والثقافية
المستقلة، وليس انتهاءً بمساعي الأمانة العامة للجامعة العربية 1967 لدى جامعة بغداد، وجامعات
أوروبية أخرى، لتتبنى طلب ترشيحه.
والحق فإن عميد الأدب العربي كان واعياً ومدركاً للأبعاد السياسية التي تقف وراء عدم ترشيحه لجائزة نوبل للآداب، فعندما أثار معه المذيع السعودي الراحل ماجد الشبل هذه المسألة في برنامجه القيّم "مع المشاهير" أجاب العميد: " أنا أعتقد أن تكون جائزة نوبل هي إلى أن تكون
سياسية أقرب منها إلى أن تكون جائزة أدبية، فهي تُمنح لمن تريد لجنة الجائزة أن ترضيه من الساسة".
ومن المفارقات المؤلمة أن يتلقى عميد الأدب العربي نبأ منح الأمم المتحدة له جائزتها في ميدان الحقوق
الإنسانية قبل يوم واحد من رحيله عن عالمنا. وجاء في حيثيات المنح: تقديراً له على ما أداه من
خدمات في مجال التعليم، وباعتباره رائداً بارزاً في ميدان الأدب العربي المعاصر.وهذه الجائزة
أنشأتها الأمم المتحدة قبل عام واحد من رحيله، وتمنح كل عام إلى ست شخصيات ساهمت في إنجازات كبيرة في مجال الحقوق الإنسانية، حيث وقع اختيارها عليه
ضمن هؤلاء الستة قبيل أن يغادر دنيانا بيوم واحد.