العدد 5464
السبت 30 سبتمبر 2023
banner
عبدالناصر والحُب القاتل
السبت 30 سبتمبر 2023

قبل ثلاث أو أربع سنوات أتذكر أنني اتصلت هاتفيا برئيس مجلس إدارة صحيفة "البلاد" الأستاذ عبدالنبي الشعلة للاستيضاح منه بشأن إداري ما، وأتذكر حينها أنه كتب منذ فترة قصيرة مقالاً مسهباً عن ثورة 23 يوليو المصرية، وبعد تبادل التحايا والترحيب، تجاذبت معه في عُجالة أطراف الحديث حول ذلك المقال الذي كان فيه على درجة كبيرة من الصراحة في تناوله أبرز الأخطاء التي لا ريب فيها والتي وقع فيها الزعيم العربي جمال عبدالناصر، ولم أملك من جانبي سوى الإقرار بها، وإن ختمتُ تلك الدردشة العابرة معه بأن قلت له: "ومع ذلك مازلنا نحبه يا أبا مشعل"، لكن ما عنيته من هذا الحُب ليس حُب المتعصبين الذين ما فتئوا يضعونه في مرتبة تقديسية فوق النقد، رغم كل ما مر به التيار الناصري واليسار عامةً من انحسار، بل الحُب الواعي العقلاني. وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر فإنني أتذكر أيضاً تناولي سابقاً أخطاء الزعيم في محاضرتين استضافتني فيهما اثنتان من جمعياتنا السياسية بمناسبة مرور قرن على ميلاده، كما تناولت عين الأخطاء في محاضرة ثالثة تحت عنوان "نصف قرن على نكسة 1967" في الجمعية التي أتشرف بالعضوية فيها، ألا وهي "جمعية تاريخ وآثار البحرين".
ورغم اختلاف موضوعات المحاضرات الثلاث إلا أن أخطاء الزعيم ناصر كانت محورا ضمن محاور كل منها، وفي المحاضرة الثالثة تناولته بشكل أكثر توسعاً لارتباطه بأخطر حدث في تاريخ العرب الحديث، ورغم حرصي على تناول إنجازاته أيضاً، إلا أن استعراضي لما وقع فيه الزعيم من أخطاء قاتلة، خلال مقدمات الحرب وأثناءها، أثار غضب وحفيظة بعض الحضور من المتعصبين له بشدة إلى درجة تخرج عن اللباقة وأدب الحوار! ومع ذلك لم يؤلمن ما حدث، بقدر ما آلمني حقاً أنه رغم كل هذه السنين الطويلة التي مرت على انكسار المشروع القومي لعبدالناصر، مازلنا لم نتعلم بعد التسامح مع صاحب الرأي الآخر، أو أن نحترم في علاقاتنا اليومية حق التعددية السياسية والدينية في التعبير عن نفسها، على الرغم من إفراطنا الشديد في التشدق بهذه القيم والمطالبة بها.
على أنه في دردشتي العابرة مع الأستاذ الشعلة لفت انتباهي عدم انزعاجه من التنويه "بأننا مازلنا نحب عبدالناصر"، كما لفت انتباهي في المحاضرة التي ألقيتها بجمعية التاريخ هدوء الدكتور أمين رغم ما عُرف عنه من ميول ناصرية في شبابه مازال يعتز بها، بل أتذكر أنه أضاف في تعقيبه استطراداً لبعض تلك الأخطاء.
أكثر من ذلك فإن بعض أصدقائي المحرقيين من عشّاق عبدالناصر الذين أعتز بصداقتهم كثيراً، آثروا الصمت ولم يبدوا ملاحظاتهم إلا على انفراد بعد انتهائي من المحاضرة، وبطريقة ودية حضارية. والحال فما لم نتحل في حُبنا لأي زعيم - ديني أو مدني - بقدر معقول من الموضوعية والشجاعة في تنحية عواطفنا جانباً، والاعتراف بما يقع فيه من أخطاء خطيرة سيغدو هذا الحُب قاتلاً مضراً به وبمحبيه على السواء، ولن نتعلم بالتالي أبداً من أخطائنا كبرت أم صغرت.

كاتب بحريني
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .