عرفت مدينة المنامة المقاهي الشعبية في وقت مبكر يرجع إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وكان لها السبق في ذلك قبل أي مدينة خليجية. فقد وثقت “مجلة الجمعية الجغرافية الملكية” في بريطانيا زيارة الرحالة ويليام بليغريف للبحرين في العام 1862م ومشاهدته المقاهي الشعبية في المنامة. وكان يرتاد تلك المقاهي خليط من التجار وربابنة السفن وعمال وكسبة لقضاء أوقات ممتعة وهم يحتسون الشاي ويدخنون ويتبادلون الحديث.
وتعد هذه أقدم وثيقة توثق تاريخ المقاهي الشعبية في مملكة البحرين، الأمر الذي يؤكد وجود المقاهي الشعبية في المنامة قبل العام 1862م، أي قبل زيارة ويليام بليغريف للبحرين قادما من شبه الجزيرة العربية التي ذكر بأنها خالية من وجود المقاهي الشعبية.
وشهد بداية القرن العشرين انتشار المقاهي الشعبية في مدينتي المنامة والمحرق. وبدأ أبناء المدينتين وما حولهما بالتردد على تلك المقاهي الشعبية، فوجد تجار السوق وتجار اللؤلؤ من طواشين بمختلف فئاتهم يأنفون الذهاب إلى المقاهي الشعبية والجلوس بجانب العامة من عمال ومزارعين وكسبة، الأمر الذي أدى إلى فتح مقهى في مدينة المنامة بسوق الطواويش أطلق عليه مقهى الطواويش، وذلك في نهاية عشرينات القرن المنصرم خاص بطبقة التجار ورجال اللؤلؤ، حيث يتم في هذا المقهى استقبال بائعي اللؤلؤ والضيوف القادمين من خارج البحرين من التجار، خصوصا تجار اللؤلؤ.
ويعطي مقهى الطواويش بالمنامة انطباع لزائره بالراحة والإحساس بالذوق الرفيع لمبنى المقهى الذي تألف من 3 عقود وأقواس على النمط العباسي. فأبواب المقهى من الساج الذي يعطي لمعانًا نظرًا للمداومة على دهنه. وقد فرشت دكك المقهى المبنية من الحجارة بالحصر المصنوعة من الأسل (المديد)، ووضعت مجموعة من “القداوة” على كراسي خشبية خاصة بها، ويتم تحضير الشاي وتجهيز “القداوة” باستخدام الفحم الملتهب في موقد يعرف محليًا حينذاك بـ “سريدان”.
كانت هناك دكة مخصصة للوجيه عبدعلي بن رجب تاجر اللؤلؤ المشهور آنذاك. ويقوم صاحب المقهى بوضع قطعة سجاد إيراني على تلك الدكة قبل وصوله، مع تجهيز (القدو). وعندما يحضر إلى المقهى يتقدمه كاتبه حاملًا عددًا من الدفاتر الكبيرة الخاصة بمعاملة اللؤلؤ، ويمشي خلفه حامل المال في 3 أكياس من القماش، يضم كل كيس ألف روبية يقوم بوضعها أمامه على سجادة الدكة.
وإمعانًا في إبراز الوجاهة ويسر الحال والغنى الذي يتمتع به عبدعلي بن رجب يتم فتح أحد الأكياس ونثر ما به من روبيات على البساط من أمام عبدعلي بن رجب.
تأسس مقهى الطواويش بمدينة المحرق في عشرينات القرن الماضي أيضًا، وهو نظير مقهى الطواويش بالمنامة. ويقع ملاصق لسوق القيصرية من جهة الغرب ويطل مباشرة على البحر.
أصبح هذا المقهى ملتقى تجار المحرق من طواويش ونواخذة و “دلالوة اللؤلؤ”. وكان من بين كبار تجار اللؤلؤ الذين اعتادوا التردد على المقهى: سلمان بن حسين بن مطر، ويوسف عبدالرحمن فخرو، وعلي إبراهيم الزياني، وأحمد بن حسين الجلاهمة، وجاسم الشيراوي، وغيرهم من كبار التجار المعروفين. كما يلتقي في هذا المقهى نواخذة وطواويش الحد وقلالي وبقية تجار تلك المناطق، حيث تعقد في المقهى صفقات تجارية مهمة تتعلق في معظمها بتجارة اللؤلؤ وصناعته.
وتميز رواد هذا المقهى بارتداء أفخر الملابس صيفًا وشتاءً مع استخدام “البشت” لتبيان الوجاهة. وتدور على مرتادي المقهى القهوة العربية، باعتبار هذا المقهى تخصص فقط في تقديم القهوة العربية، إضافة إلى تقديم خدمات “القدو”. وكان صاحب المقهى عبدالله بن حمدان هو من يقوم بخدمة التجار إمعانًا في الاحترام والتقدير.
ونظرًا لكون رواد المقهى من التجار، أصبح الكثير من رواد المقهى من غير طبقة التجار يتجنبون دخول المقهى أثناء وجود التجار، لتفادي الشعور بالخجل أو النقص وعدم الارتياح، نظرًا لعدم لبسهم البشت الذي لا يملكونه أصلًا هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا يمكنهم مشاركة ومجارات التجار في حديثهم الخاص بالتجارة، فانقطعوا تمامًا من خلال قناعة نفسية عن زيارة هذا المقهى تفاديًا للإحراج، ومطبقين ما قالته العرب: (رحم الله امرأً عرف قدر نفسه).