العدد 5457
السبت 23 سبتمبر 2023
banner
خلع الضرس.. ومهنة المتاعب
السبت 23 سبتمبر 2023

من الألقاب التي أطلقت على الصحافة “مهنة المتاعب”، كما لُقبت مجازاً بـ “السلطة الرابعة”؛ لما لها من دور فائق الأهمية في الرقابة على أداء السلطات الدستورية الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية، ولا سيما الأولى. والأمثلة على هذا الدور الخطير الذي لعبته الصحافة عديدة، خصوصا في الدول الغربية الديمقراطية، سواء في الإطاحة بحكومات منتخبة، أو حتى برؤساء منتخبين، ولعل أشهرهم الرئيس الأميركي الأسبق نيكسون الذي أُجبر على الاستقالة في 1974 على خلفية تورطه في فضيحة التجسس الشهيرة المعروفة بـ “ووترغيت”، وهي زرع أجهزة تنصت في مكاتب الحزب الديمقراطي المنافس لحزبه الجمهوري في مبنى “ووترغيت”، وكانت بطلة الكشف عن الفضيحة المدوية صحيفة “واشنطن بوست” بفضل رصد ومتابعة اثنين من صحافييها (بوب وودورد، وكارل برنشتاين).
أما تسميتها “مهنة المتاعب” فليس ذلك من قبيل المبالغة، فلن يعرف مذاق هذه المتاعب إلا من كابدها وعشق هذه المهنة عشقاً جنونياً وأدمن عليها إدمان المدمن على مخدره، وإذا ما أخذنا على سبيل المثال كتابة المقالة التي قد يستسهلها الكثيرون، غير مدركين حجم ما يكابده الكاتب في الحرص مقدماً على توخي أقصى درجات المسؤولية عند كتابة كل مقال، كما الحرص على جعله جاذباً - عنواناً ومضموناً - مع تميزه بقدر معقول من التحليل، دون النظر لتوافقه مع أهواء هذه الشريحة السياسية أو تلك من القراء. 
ومن أفضل ما قرأته في التعبير عن معاناة كاتب المقال ما عبّر عنه الأستاذ الجامعي والكاتب الصحافي الأديب الكبير أحمد أمين (والد المفكر الراحل جلال أمين) “قد تمر على الكاتب الأديب أوقات وخلع ضرسه أهون عليه من كتابة مقال”، وإذا كان الأستاذ أمين قد قال ذلك فيما يتعلق بكاتب المقالة الأدبية، فإنني لأحسبُ مكابدة كاتب المقالة السياسية في عالمنا العربي أشق وأعظم، وخلع أضراسه كلها، لا ضرساً واحداً، أهون عليه من كتابتها، وما أروع ما عبّر عنه أيضاً أديبنا الكبير والكاتب الصحفي نجيب محفوظ: “أنا لست بطلاً بالتأكيد، أنا شخص “ما” يُحب الأدب، شخص ما يؤمن بعمله ويخلص له ويحبه أكثر من حبه المال أو الشهرة، لو أتى المال وأتت الشهرة فمرحباً بهما، لكنهما لم يكونا غايتي أبداً، فأنا أحبُ الكتابة أكثر من أي شيء آخر”.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية