تمر اليوم الذكرى الأولى لمقتل الشابة الإيرانية ذات الاثنين وعشرين ربيعاً على أيدي “شرطة الآداب”، ولم يكن لها من جرم اقترفته سوى أنها تركت بضعة خصلات من شعرها تتسلل إلى خارج لفة الحجاب، وكان هذا الحدث إيذاناً بتفجر أوسع حركة احتجاجية نسائية في تاريخ إيران الحديث تحت الشعار الرائع “امرأة.. حياة.. حرية”، والذي استلهمته الحركة لدلالاته على مصادرة ليس أبسط أشكال الحرية الشخصية للمرأة فحسب، بل ويمكن أن يبلغ الأمر بهذه السلطة الكهنوتية الفاشية أن تصادر حقها في الحياة بقتل المحتجات المسالمات في الشوارع بالرصاص الحي، على نحو ما شاهدنا العام الماضي في عشرات الفيديوهات الموثقة التي لا يرقى إليها الشك، ولا ينكرها إلا المكابر المصاب بعشى ألوان التعصب المقيت، والذي تغذيها قنواتها المضللة الرسمية، وعربياً قنواتها الذيلية، كالمنار والميادين وغيرهما.
في المقالات التي كتبتها هنا العام الماضي عن هذا الحدث الكبير، أكدت أن سياسة القبضة الحديدية التي اتبعتها طهران لفرض الحجاب على النساء بالقوة، وفق مواصفاته الدقيقة التي تحددها، لن تفضي إلا إلى الفشل الذريع، وهذا بالضبط ما حدث. ورغم تراخي الحركة الاحتجاجية بعد أن استمرت شهوراً في ملحمة نضالية أثارت إعجاب العالم، فإن أشكال التحدي في الشوارع العامة والأسواق - على المستوى الفردي والجماعي المحدود - ظلت مستمرة لرفض ذلك الشكل من الحجاب، ولم تنفع معها كل التهديدات البوليسية، ولا كاميرات المراقبة. يحدث هذا في بلد يبلغ تعداده ما يقرب من 100 مليون نسمة، ويشكل الشباب والشابات - ما دون سن الثلاثين - فيه 49 %، وهؤلاء يرون أن من حقهم أن يحيوا حياة كريمة في بلدهم الجميل، بينما سلطتهم “الأبوية” تصر على أن تحدد لهم نمط الحياة الذي يروق لها وينبغي عليهم أن يعيشوه، فتحظر عليهم الشمس، وتجمّل لهم الظلام والأحزان على توالي الأعوام، وتحذرهم من مغبة الأفراح أو محاكاة ألوانها التي تبعث على البهجة في النفوس.
وإذ أبهرت الحركة النسائية الإيرانية العالم في صمودها أمام آلة القمع الوحشية، منحت “اليونسكو” جائزتها لحرية الصحافة إلى ثلاث معتقلات صحافيات إيرانيات: نيلوفر حميدي، وإلهة محمدي، والناشطة النسوية نرجس محمدي. الأولى كانت أول من أذاع للعالم تقريراً مسرباً من المستشفى عن لفظ مهسا أنفاسها الأخيرة، والثانية غطت مراسم تشييعها.
* كاتب بحريني