العدد 5379
الجمعة 07 يوليو 2023
banner
الكاتب مثل المناخ لا أمان له
الجمعة 07 يوليو 2023

هل يستطيع الكاتب أن يخترق الجدار الذي يقف في وجهه.. شخصيا أقول نعم، لأن الكلمة بإمكانها اجتياز جبال الأزمان، وحتى لو وجهت إليها الرصاص فإنها تستمر في هجومها، وعندما سئل رائد الفلسفة الوجودية جان بول سارتر عن رأيه في الكتاب، قال إنهم مشبوهون، لأنهم يحملون في جيوبهم مرايا يخرجونها ويضعونها في وجه جارهم الذي يتعرض لداء السكتة إذا رأى نفسه دون أن يكون مستعدا لذلك.. إنهم مشبوهون لأن الشعر والنثر أصبحا فنين نقديين، وعندما يكتب المرء فإنه يضع الكتابة بكاملها على المحك، ويحصل الشيء ذاته في الرسم والنحت والموسيقى.
الفن كله مرتبط بمغامرة رجل فرد، فهو يبحث عن حدوده ويعمل على توسعتها، غير أن الكتابة لا يمكن أن تكون انتقادية إلا إن طرحت على بساط البحث.. كل شيء يتعلق بها، هذا هو مضمونها الصحيح، فمغامرة الكتابة عند كل كاتب هي أن يضع الناس جميعا على المحك، الذين يقرأون والذين لا يقرأون، مهنة الكاتب مهنة غريبة بعض الشيء، وتتطلب نشاطا خارقا، ومع ذلك فقد اخترتها لمقاومة الموت.
إن الصرخة المكتوبة كما يقول “كوكتو” لا تصبح شيئا مطلقا إلا إذا خلدتها الكتابة، إلا إذا استطاع الآخرون إدخالها في الفكر الموضوعي، ومن المؤكد أن ثمة فجوة زمنية بين الجمهور الذي يستهدفه الكاتب والذي يمكن أن يكون خياليا، وبين الجمهور الحقيقي، لكن قد يحدث أن يحل الثاني محل الأول.
استوقفتني كثيرا كلمة “مشبوهون” وأتصور أن سارتر وفق في هذا الوصف، لأن الكاتب مثل المناخ لا أمان له، يثور اليوم ويهدأ غدا، ولا نعني أي كاتب، إنما الكاتب الذي ينطلق من مبدأ ثابت لا يتزحزح عنه ويؤمن بكل ما تنطق به سطوره وما تنبغي كلماته.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية