العدد 5330
الجمعة 19 مايو 2023
banner
الفشلُ السياسي وتفاقمُ الكراهية!
الجمعة 19 مايو 2023

البيئات الاجتماعية التي تعاني من غياب الرؤية السياسية المستقبلية، وتعيش ضمن أفكارٍ محددة بقيت تكررها طوال سنوات، دون المقدرة على الخروج من خطوطها العامة، تتحول لديها هذه الشعارات التي تؤمن بها أو تتغنى بها، لما يشبه محدداتِ الوعي السياسي، وهو إدراكٌ ضيقٌ يبقى ضمن أطر جامدة، غير قادر على تجاوز الرتابة، أو اجتراح حلول للمشكلات التي وقع فيها، وحينها يتحول الشعار إلى "سجن" تكون هذه البيئات أو التيارات السياسية، أسيرة أبجدياته.

يزداد الأمر تعقيداً عندما يمتزج الديني بالسياسي، وتغذيه مقولات "المظلومية" التاريخية، والحق والباطل؛ ساعتها يكون الانزياح في الفهم المجتمعي نحو المرونة السياسية أو الفكرية ممارسة صعبة، تحتاج لشجاعة من النخب الوطنية في نقد هذه السكونية، ومحاولة عمل انزياحات في بناها الراسخة، وطرح المزيد من الأسئلة الأكثر جرأة، وقد تكون الأكثر صدامية عن كيفية التحرر من الشعار، والذهاب نحو السياسة بمعناها العملي والتداولي – الدنيوي.

غياب هذه المراجعات السياسية – الاجتماعية الشفافة، ووجود بيئات مغلقة وأخرى مناوئة لها، يدفع أصحاب المشاريع المتعثرة إلى خوضِ معارك صغيرة، هامشية، لا قيمة لها على الصعيد الوطني، بل على العكس من ذلك، تضرُ بالسلم الأهلي، في كثير من الأحيان.

هذه الاستماتة في خوض المعارض العنيفة لفظياً ورمزياً، وممارسة الإقصاء ضد المختلف، حد نبذه والتحريض عليه، هي عملية اشباع للذات المجرحة، تلك الذات التي تشعر بالانكسار، وتعيش الهزيمة، وفي داخلها تعتقد أنها لم تحقق شيئاً، وبالتالي تبحث عن أي انتصار، كيف كان، وعلى من كان. انتصارٌ يعطي أصحابه نوعاً من النشوة المخاتلة، وشعورا بالقوة، وأنه ليس طرفاً ضعيفاً، والدليل أنه الآن صاحب الكلمة العليا، فها هو يسحق المخالف له؛ فلم يعد مكسوراً، بل هو اليوم كاسرٌ، وعلى رؤوس الأشهاد!

هنا مشكلة الانسداد والفشل السياسي الذي يحولُ أصحابه إلى ذوات تمارس العنف والكراهية والتحريض والتكفير، وتجعلهم ينخرطون بشكل جماعي في ممارسات لا متناهية من العنف، يُزايدُ فيها كل طرفٍ على الآخر، ليقول أنا الأقوى، فيما حقيقته أنه يزداد ضعفاً وتغيب عنه الحكمة والبصيرة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .