العدد 5316
الجمعة 05 مايو 2023
banner
كي تبقى الصحافة
الجمعة 05 مايو 2023

احتفال العالم بحرية الصحافة في الثالث من شهر مايو في كل عام، وهذا العام 2023 يصادف الاحتفال باﻟذﻛرى اﻟﺳﻧوﯾﺔ اﻟﺛﻼﺛﯾن لليوم العالمي لحرية الصحافة، واحتفال مملكة البحرين بيوم صحافتها في السابع من الشهر نفسه، ليؤكد مدى الأهمية الكبيرة لهذه المهنة التي صالت وجالت منذ ظهورها ونشأتها، وأخذت تبحث وتنقّب في المصاعب والمتاعب والمشاكل حتى تصل للحقيقة وتكشف المستور، لأجل مستقبل أفضل للعالم.
 وقد أكد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظّم حفظه الله ورعاه، في كلمته ورسالته السامية بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة أهمية دور العاملين في ميادين الصحافة والإعلام كأصحاب رسالة نبيلة في نشر الوعي والمعرفة، وشركاء في مواصلة التنمية والتطوير.
 كما أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في رسالته بهذه المناسبة أيضًا أن العالم يقف إلى جانب الصحفيين في سعيهم إلى الدفاع عن الحقيقة، مشيرًا إلى أن حرية الصحافة، هي أساس الديمقراطية والعدالة لأنها تمنح كل واحد منّا الحقائق التي نحتاج إليها لتكوين آرائنا والمطالبة بحقوقنا. 
 وكما أن أهداف الرسالة الصحافية مترسّخة لدى أبنائها وأهميتها معروفة لجمهورها ولمجتمعها، فإن الجوانب المهمة لمعاناة الصحافة والصحفيين والتحديات التي تواجهها متشابهة، ويأتي في مقدمتها الكيفية والرؤية التي تتم بها المواجهة لتتمكّن مهنتُهم من مواكبة المتغيرات المتسارعة والحفاظ على هيبتها وقدسيّتها.
مستقبل الصحافة كمهنة لا يقتصر فقط على الشكل الورقي منها، إذ نشهد جدالاً حول توقيت انتهاء الصحافة الورقية رغم أنها منصّة من بين منصات متعددة للصحافة، والكل يعلم أنها بانكماش ملحوظ، إلا أن السؤال هنا عن مستقبل الصحافة بمضمونها الكامل ومفهومها الواسع وكيفية الحفاظ عليها من خلال صحفيين مخضرمين يهتمون بالمضمون السليم والمحتوى الصحفي الهادف.
 صحيح أن الحرية كانت وستظل الشريان الرئيسي لذلك، إلا أن هذه الحرية لا يجب أن تكون مُطلَقة هكذا دون ضوابط محددة ومقومات مهمّة، فلو وجدت هذه الحرية من دون مسؤولية أو حسن تصرّف أو كفاءة وتدريب للصحفيين، فستتحوّل من عماد لتطوّر الصحافة وتمكينها من أداء مهامها إلى معول هدم خطير لها.
 العالم يشهد منذ سنوات تباطؤًا في النمو الاقتصادي، وهناك توقعات للمختصين بهذا المجال بأن السنوات الخمس القادمة ستشهد انكماشًا اقتصاديًّا، ويكفينا بهذا السياق ما قاله رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس خلال مؤتمر صحفي في يناير الماضي باقتراب الاقتصاد العالمي بشكل خطير من وضع الركود الاقتصادي، متابعًا “أنا قلق جدًّا من خطر استمرار التباطؤ. تقديراتنا هي أن النمو العالمي بين عامَي 2020 و2024 سيكون أقل من 2 %. هذا النمو هو الأضعف في خمس سنوات منذ العام 1960”. 
 وأيضًا ما قالته رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا مؤخرًا بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي على مدى السنوات الخمس المقبلة لأدنى مستوى في أكثر من ثلاثة عقود، قائلة إنها تتوقّع نمو الاقتصاد العالمي بنحو 3 % في السنوات الخمس المقبلة، ومن شأن تسجيل هذا المستوى من النمو أن يكون الأقل منذ عام 1990.
الوضع الصحافي لا ينفصل عن هذا الواقع الاقتصادي؛ بل سيصاب أيضًا ـ في حال صِدْق هذه التوقعات ـ باهتزاز وانكماش كبيرين، حيث ستتراجع الإعلانات أكثر مما هي عليه الآن، وهي العصب الأهم في استمرار ووجود الصحف وتطورها.
 كي ندرك حجم الخطر، نشير إلى أن هذه الأوضاع الاقتصادية أثّرت سلبًا وبقوّة على سوق الإعلانات الإلكترونية لشركات عملاقة بحجم “مايكروسوفت” و”ألفابيت” و”سناب شات” منذ العام الماضي، إذ انخفضت إيرادات موقع التواصل الاجتماعي “يوتيوب” من الإعلانات ولأول مرة بنسبة 2 % على أساس سنوي، كما انخفضت نسبة النمو لعائدات شركة “ألفابيت” بشكل كبير، فبعد أن ارتفعت بقوة وبنسبة 41 % عام 2021، ارتفعت نسبة النمو خلال نتائج الربع الثالث من عام 2022 بنسبة 6 % فقط، مما دفع الشركات إلى تقليص حملاتها الإعلانية والتسويقية بشكل كبير في ظل هذا التراجع من قبل المعلنين، فإذا كان هذا الوضع بالنسبة لهذه المؤسسات العالمية الكبرى وميزانياتها بالمليارات فما بالنا بالمؤسسات الصحفية ومعاناتها؟
 تحدٍّ آخرَ مهمٌّ في تحديد مستقبل مهنة الصحافة يتمثل في ثورة الذكاء الاصطناعي الذي يهدّد وظائف الصحفيين، فقد نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تقريرًا في شهر مارس الماضي، أكدت فيه أن البقاء سيكون فقط للمؤسسات الصحفية التي تتمكّن من إنتاج المحتوى المتميز الذي لا تستطيع أدوات الذكاء الاصطناعي إنتاجه، ونقلت عن الرئيس التنفيذي لمجموعة ألمانيا للإعلام والنشر، ماتياس دويبفنر، قوله بأن الصحفيين معرضون لخطر استبدالهم بأنظمة ذكاء اصطناعي مثل “تشات جي بي تي” التي تعد ثورة في ميدان المعلومات (يتيح للأشخاص طرح الأسئلة واستقبال الإجابات على العديد من الموضوعات)، وستكون قريبًا أفضل في تجميع المعلومات من الصحفيين البشر. ولهذا أوصت الغادريان بالتركيز على الصحافة الاستقصائية والحديث الحصري، وتتبع الدوافع الحقيقية وراء الأحداث.
علينا الاستعداد والتعامل بحرفيّة ومهنيّة وشموليّة مع هذه التهديدات والتحديات القائمة والقادمة إن أردنا الاستمرارية لمهنة الصحافة والتخلص من الدخلاء عليها الذين لا يملكون باعًا صحفيًّا يشفع ويتيح لهم ويمكّنهم من ممارسة المهنة بأصولها وقيمها، لكنهم يبثّون الإشاعات ويردّدون الأخبار المغرضة والتافهة عبر العديد من المنصات الإلكترونية سعيًا لما يسمى بالسبق الصحفي وبزعم الحرية وخدمة لأجندات محددة.
 ومن هنا تأتي أهمية حثّ جلالة الملك المعظّم في رسالته السامية على أهمية التركيز على عنصر “الحقيقة” في تناول المواضيع، والتصدي للمعلومات المضلّلة، ولخطاب الكراهية بكافة أشكاله.
 لهذا، فإنني أدعو أبناء المهنة والغيورين عليها للنقاش والبحث في وضع استراتيجية متكاملة ورؤية شاملة ومحددة للتعامل بفعالية مع هذه الأوضاع المهدِّدة للصحافة والصحفيين مع مراعاة الأولويات التي يحتاج إليها العمل الصحفي ليس من أجل البقاء فحسب؛ بل لأجل التطور والتميز والإبداع.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية