العدد 5298
الإثنين 17 أبريل 2023
banner
مجـرد رأي كمال الذيب
كمال الذيب
تقلبات المزاج الفكري والسياسي
الإثنين 17 أبريل 2023

كان وقتها شاباً في أواخر العشرينات من عمره، يقدم نفسه على أنه “شخص حر ديمقراطي غير متحزب يؤمن بالدولة الحداثية المدنية”. وبعد سنة واحدة التقيته في إحدى الندوات، وقد تحول إلى الانتماء صراحة إلى جمعية سياسية، فحسبت ذلك تطوراً طبيعياً في مسار النمو الفكري والسياسي لمن كان فكره حراً ومنفتحاً. ثم التقيته مرة ثالثة، فوجدت أنه غادر محطة الحزب الحر إلى أقصى اليمين الديني، وقد تنكر للحرية ومفهوم الدولة المدنية.
تفهمت حينها أن الرجل كان يبحث عن ذاته الضائعة في تراكمات الأفكار والاتجاهات، تتقاذفه التيارات في معترك أزمة الهوية السياسية، فيبدل ملابسه السياسية وفقاً لتقلبات الطقس السياسي. إلا أنني سمعت بعد ذلك أنه هجر الحزب الذي انتمى إليه لفترة وجيزة، وتحول إلى “ناشط حقوقي”، تجميعاً لما سبق من انتماءات في خلطة إنسانية.
والحقيقة أن من النتائج الطبيعية لتقلبات المزاج السياسي والفكري في زمن انتشار الغوغائية، اختلاط المفاهيم والقيم، حيث يصبح الحديث عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان أشبه بخرافة فوق العادة وغياب المبدئية، في حين أن العالم المتقدم أجمع منذ قرون على أن الديمقراطية وحقوق الإنسان هما من خصائص الفكر المدني الحر، وهما ثمرة من ثمار الحداثة، ولا يمكن أن يكونا جزءاً من منظومة فكرية دينية طائفية، كما أن تحقيق الديمقراطية في أي مجتمع يحتاج إلى التشبع بالحرية والتحرر من القيود المكبلة للفكر والبحث والمعرفة. وهو أمر لا يمكن تحقيقه في ظل المفهوم الديني - الطائفي للدولة الذي تسلب فيه حرية الاختيار من الفرد. كما يتطلب إرساء دولة القانون والمؤسسات التي تكون فوق الجميع، حيث يأتي احترام القانون في مقدمة الحياة السياسية السليمة التي لا مجال فيها للتهاون أو تجاوز القانون. كما أن الديمقراطية تعني اقتناعاً بجدواها ومحتواها وقبولاً بمقتضياتها، لأنها مشروع متكامل يجب أن يكون منغرساً في الواقع تتجلى فيه الحاجة إلى تجاوز أشكال المفارقات والازدواجيات المنتشرة عندنا بشكل مرضٍ، من أخطر تجلياتها تقلبات المزاج السياسي، والقبول بالديمقراطية شكلاً في الخطاب ومعاداتها في الممارسة العملية.
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية