العدد 5291
الإثنين 10 أبريل 2023
banner
مجـرد رأي كمال الذيب
كمال الذيب
حادث مرور عاطفي في السماء السابعة!
الإثنين 10 أبريل 2023

قال الصديق: لقد حدثتني في إحدى المرات عن عالم المثل ضمن مثالياتك التي ترجع فيها العواطف إلى ما يشبه الصدفة الماورائية، بما يجعلها أقرب إلى حادث مرور عاطفي في السماء السابعة! وقد أضحكني وقتها مثل هذا التعريف، لجهة اقتناعك بنظرية أفلاطون الخائبة بأن العالم مقسم إلى عالم علوي وعالم سفلي، وأن بينهما صراع لا يهدأ، وهذه النظرية متهافتة فضلا عن كونها ساذجة!
قلت: إن تاريخ الإنسان صراع بين قطبيْ رحى هذه الثنائية - مهما اختلفت مسمياتها من ثقافة إلى أخرى - فهو نزوع نحو العنصر النوراني في تكويننا، أو نزوع نحو الغرائز المادية. لذلك لا يستطيع في النهاية أن يتخلص من هذه الثنائية ومن اختلاط المشاعر وتقلبها وترددها، فالذات المادية تأنس للمتعة، إلا أن هذا الشعور لا يدوم طويلاً، فقد ينقلب أحياناً إلى شعور بالذنب والإحباط وخيبة الأمل. فالذات المرتبطة بالروح تعلمنا أن المتعة الروحية هي الهدف الأسمى في الوجود. وبعيدا عن هذه الصياغة الفلسفية، واستنادا إلى واقع الثقافة والتاريخ والمعاينة للتجارب، يتبين أن تاريخ الإنسان هو تاريخ الغرائز والرغبات (بما في ذلك التاريخ السياسي)، إلا أن هذا الإنسان يمتلك القدرة على التصعيد والتمويه، بما يجعل من الثقافة وقوة التقاليد قيدا يضبط سلوكه، وبما يجعل الصراع هنا صراع بين الطبيعة والثقافة.
لذلك فإن الشعوب المتقدمة تمتاز عنا بقدرتها على تقليص المسافة الفاصلة بين الطبيعة والثقافة، فهي أكثر صدقا ووضوحا في التعبير عن رغباتها وعن أفكارها في ذات الوقت، ونحن لا نزال نعبّر عن كل شيء يخص جسدنا أو رغباتنا أو مشاعرنا وحتى بعض أفكارنا بواسطة التمويه والتورية والمجاز اللغوي، لأننا أسرى دائرتيْ الخوف والتردد وقلة الحسم، تجنبا لقوة الضغط الاجتماعي والثقافي.
لذلك فنحن غير مختلفين إلا من حيث الصياغة، فأنا أميل إلى تسمية الأشياء بأسمائها كما أراها من دون تردد، في حين تبدو الأمور عندك ملتبسة عند الحديث عن مثل هذه الجوانب من حياتنا، تميل بها إلى المواربة والمجازات كعهدي بك دائما.
كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .