العدد 5275
السبت 25 مارس 2023
banner
فضاءات لغوية رضي السماك
رضي السماك
الغرب وأزمة التغيير السياسي
السبت 25 مارس 2023

غداة انتهاء الحرب العالمية الأولى 1918 تم إقرار إقامة منظمة العمل الدولية لتنظيم العلاقة بين أطراف الإنتاج الثلاثة (الحكومات وأرباب العمل والعمال)، وجاء تشكيل هذه المنظمة الدولية على خلفية موجات الإضرابات العمالية العنيفة في الدول الغربية منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وذلك بغية أن يكون لطرفي الحكومات وأرباب العمل تأثير في تنظيمها وعدم انفلاتها لتهدد الأنظمة الاجتماعية السائدة، لكن أغلب الدول الغربية الديمقراطية اضطرت لمنح حق تشكيل المنظمات النقابية، وحق هذه الأخيرة في الإضراب لرفع الأجور وتحسين ظروف العمل والتأمين الاجتماعي، على أن هذا الحق المكتسب الذي اُعتبر ضمن رزمة حقوق المجتمع المدني والحقوق المدنية والسياسية التي تتباهى بها دول الغرب أضحى اليوم يشكل وبالاً عليها، فيما غدا حقا التنظيم النقابي والإضراب مكتسبين مشروعين يتمسك بهما بقوة العمال وموظفو قطاعات الإنتاج والخدمات المختلفة. 
وإذا كانت آليات العمل النقابي مفعّلة وتؤتي على الأقل بعض اُكلها للمضربين، بعد إضرابات طويلة ومعارك شرسة، فإن ثمة مخاوف من تحولها إلى انفجارات اجتماعية تتخللها أعمال عنف غير مأمونة العواقب في ظل غياب القيادات التنظيمية الواعية. عدا ذلك فليس من مهمات واختصاصات النقابات العمل السياسي لإحداث الإصلاحات الشاملة، فهي محددة بالدفاع عن مصالح وحقوق أعضائها فقط، وهنا يكمن وجه المفارقة في مأزق الدول الغربية الراهن، فهي من جهة دول ديمقراطية ذات دساتير عريقة توفر حقوقاً سياسية أوسع بكثير من دول العالم الثالث، ومنها البرلمانات المنتخبة، وفصل حقيقي بين السلطات الثلاث، واستقلال المؤسسة القضائية، وحق تشكيل الأحزاب ورزمة من الحريات العامة، لكن من جهة أخرى أضحت اليوم قواها السياسية، الليبرالية والديمقراطية واليسارية، غير قادرة على التغيير السياسي من خلال توظيف كل تلك الحقوق التاريخية المكتسبة؛ نظراً لتضعضع قواعدها الجماهيرية وعجزها عن استقطاب أوسع الشرائح الاجتماعية المتضررة من الوضع القائم، حيث أضحت محبطة من آليات التغيير الديمقراطية للتغيير.
عدا ذلك فإن وعي فئات واسعة من تلك الشرائح سيبقى أسير تضليل آلة الإعلام الجبارة المخاتلة.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .