العدد 5274
الجمعة 24 مارس 2023
banner
التقنية الإلكترونية وانتهاك الخصوصية
الجمعة 24 مارس 2023

تلعب التقنية الالكترونية دورا كبيرا في حياتنا حيث نتصل بالهواتف ونرسل ونتلقى الرسائل الإلكترونية ونطلع على الكتب والأبحاث ونشاهد الأفلام ونسمع الموسيقى ونشتري ونتعلم عن بُعد. وأصبحنا لا نستطيع الفكاك منها لضرورتها للحياة. ولقد أنجزنا المشاريع وحققنا الكثير عبر التقنية، وما كان لنا أن نحقق ما تم لولا التقنية. 
ولكن هل هذه التقنية خلقت مبرأة من كل عيب كما نشتهي وتشتهي هي؟ وهل تخلو من “المنغصات” التي تسبب الضيق وغيره؟ الإجابة بالطبع لا، لأن التقنية، ليست مبرأة من العيوب وبالطبع كل شيء في الدنيا، له إيجابيات وسلبيات. إن اإيجابيات التقنية كثيرة ومفيدة ولكن هذه الإيجابيات يطلع من رِحمها العديد من السلبيات التي تقلق مضاجعنا وتسبب المضايقات بل والحرج في الكثير من الأحيان. 
أهم السلبيات التي نعانيها من التقنية نجدها في انتهاك الخصوصية الشخصية، وهذا الانتهاك يتم من المتطفلين. ولا بد أن نوضح أن بعضهم يقومون بأعمالهم التطفلية بحسن نية وبدون أغراض إجرامية وبعضهم يقوم بالتطفل عن قصد جنائي ونية إجرامية، وشتان ما بين الحالتين ولذا علينا أن نفرق بينهما. 
في الحالة الأولى لا تتم المطالبة بتطبيق القوانين العقابية ويكتفي بالمطالبة بالتعويض المالي المدني لعدم وجود سوء النية الإجرامية، وفي الحالة الثانية التي يتم فيها التطفل بنية إجرامية فإن العقوبة الجزائية واجبة نظرا لاكتمال عنصري الجريمة من نية سيئة وفعل أسوأ وذلك إضافة للتعويض المدني، عند الضرورة. 
ومن أمثلة التطفل اليومية ما يعرف بنظام “الكوكيز” ونظام “الكاشيز” وهي طرق تسمح بالتطفل ومتابعة الانترنت والبريد الالكتروني بدون سابق معرفة، و”الكوكي” ملف صغير يتضمن المعلومات الشخصية مثل الاسم والعناوين وأرقام كروت الائتمان. وهذا الملف يحتفظ بهذه المعلومات الخاصة بك أثناء البحث الذي قمت به في الانترنت للبحث عن الفنادق أو وكالات السفر. وهذا الملف تقوم بعض المواقع بتجهيزه بطريقة أوتوماتيكية ويرتبط بالديسك درايف الخاص بالكمبيوتر الذي استخدمته عندما راسلت هذه الأماكن. وعندما تتصل مثلا بفندق ما للحجز فهناك جهات ما مرتبطة بالفندق تقوم بالاطلاع على معلوماتك الخاصة، وبصورة طبيعية يتم إضافة معلوماتك وبريدك وربطها بهذه المواقع التي تقوم بالاتصال بك من وقت لآخر ويقومون بعرض خدماتهم. وهذا بالطبع انتهاك لخصوصياتك، وهو يحدث رغما عنك لأن الأجهزة مربوطة ببعض بملفات “الكوكيز” ويتم التطفل تلقائيا لأسباب عديدة منها التسويق أو لسرقة المعلومات وبيعها أو للتجسس أو غيره. وبعيدا عن “الكوكيز” فإن جهازك يقوم بإعداد ملف عنك. فمثلا عندما تبحث يقوم جهازك بفتح ملف اسمه “الكاشيز” ويتم تخزين نسخ مما زرته في الهارد درايف ديسك في جهازك. تلاحظ أن هذه المعلومات تقفز لك كلما نقرت الماوس وعند طباعة الحرف الأول من ايميلك فكل العنوان فجأة يظهر بالكامل وأنت لا شعوريا تفرح لهذا ولكسب الوقت. لكن من نفس هذا الملف يستطيع كل من فتح جهازك الاطلاع على آخر المواقع التي كنت تتصفحها، وبهذا التطفل ينكشف ما كنت تعمله سواء شئت أو لم تشأ. وبالطبع هناك جهات كثيرة في العمل تتابع ما يقوم به العاملون في المكاتب عبر هذه الطريقة.
كذلك إضافة لهذه الملفات فهناك الرسائل “اسبام “ التي تصلنا وتدخل في أجهزتنا بدون سابق إنذار وبدون رغبتنا وبعضها يحتوي فيروسات مدمرة، وبعض الرسائل يحتوي معلومات ساذجة جدا ولكنها قد تنجح في استغلال السذج. وهناك الكثير من الزوار موجودين في الفضاء ويكون بعضهم من الهواة عديمي العمل ويكون بعضهم من الهاكرز النصابين، وفي كلا الحالات هناك انتهاك للخصوصية الشخصية. وهناك العديد من الأمثلة التي تذبح فيها الخصوصية وتستباح نهارا جهارا. ولكن، هل نستطيع الاستغناء عن استخدام التقنية؟ وما هي الحلول والبدائل للتعايش مع هذا الوضع؟.
من الواضح أن هناك حاجة ماسة للتقنية لأنها أصبحت كالماء والهواء وعلينا التعامل معها ولكن لا بد من وقفة لإصدار قوانين لوقف التجاوزات ولا بد من ردع مرتكبيها. ومن الواضح، أن القوانين وحدها لا تكفي لأن الجريمة الالكترونية دائما متخفية وعديمة اللون والطعم والرائحة وتدخل دون تأشيرة دخول وتمر أمام شرطة المراقبة ولا يراها أحد. وعليه، وقبل المناشدة بتطبيق القانون، يجب أن نعمل من أجل أن تتوفر الأخلاق والوازع الذاتي مقرونا بالثقافة التقنية الصحيحة والسمو عن الصغائر التي تقف في الطريق أثناء مرور عربة التقنية في الفضاء النزيه والنظيف. 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .