+A
A-

"الغواصات الأسترالية" تؤجج التوتر بين واشنطن وبكين وموسكو

ستشتري أستراليا ما يصل إلى خمس غواصات أميركية تعمل بالدفع النووي كما ستتعاون في مرحلة لاحقة مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لبناء جيل جديد من الغواصات لتعزيز الحضور العسكري الغربي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بمواجهة صعود النفوذ الصيني، في خطوة وصفها رئيس وزرائها بأنها "أكبر استثمار" عسكري في تاريخ البلاد.
وجاء إعلان الاتفاق في اجتماع استضافه الرئيس الأميركي جو بايدن والتقى خلاله رئيسي وزراء أستراليا وبريطانيا أنتوني ألبانيزي وريشي سوناك في قاعدة سان دييغو البحرية بولاية كاليفورنيا.
وقال بايدن إن الولايات المتحدة "ضمنت الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ منذ عقود"، مشيراً إلى أن اتفاق الغواصات من شأنه تعزيز "آفاق السلام لعقود مقبلة".
ووصف ألبانيزي شراء بلاده غواصات أميركية تعمل بالدفع النووي وانخراطها في مشروع لبناء جيل جديد من الغواصات بأنه "أكبر استثمار" في القدرات الدفاعية لأستراليا في تاريخها.
 
طريق "خطر"
في المقابل، دانت الصين اليوم الثلاثاء "الطريق الخاطئ والخطر" الذي تسلكه الشراكة المبرمة بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا ضمن برنامج الغواصات.
وقال الناطق باسم الخارجية الصينية وانغ وينبين في تصريح للصحافيين "يظهر البيان المشترك الأخير الصادر عن الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا أن هذه الدول الثلاث تسلك بشكل متزايد طريقاً خاطئاً وخطراً خدمة لمصالحها الجيوسياسية في ازدراء كامل لمخاوف المجتمع الدولي".
وتنظر الصين باستياء خصوصاً للتقارب الذي بدأ في السنوات الماضية في المنطقة بين سلطات تايوان والولايات المتحدة التي توفر للجزيرة منذ عقود دعماً عسكرياً في مواجهة بكين.
وتعتبر السلطة الشيوعية الجزيرة مقاطعة تابعة للصين لم تتمكن من إلحاقها ببقية الأراضي منذ انتهاء الحرب الأهلية الصينية (1949).
لكن واشنطن تشير إلى أن بكين تثير مخاوف بلدان في منطقة آسيا والمحيط الهادئ عبر تهديداتها بغزو تايوان التي تتمتع بحكم ديمقراطي، إضافة إلى تشديدها على التهديد الذي تمثله كوريا الشمالية المسلحة نووياً.
روسيا من جانبها اتهمت اليوم الثلاثاء الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا بتدبير "مواجهة تستمر لسنوات" في آسيا عبر إطلاقها تحالف "أوكوس" بشأن الغواصات النووية.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن "العالم الأنغلوساكسوني يبني تكتلات مثل أوكوس ويطور البنى التحتية لحلف شمال الأطلسي في آسيا ويراهن بجدية على مواجهة تستمر لسنوات طويلة".
 
حفظ ميزان القوى
وأستراليا التي انضمت قبل 18 شهراً إلى تحالف أوكوس (AUKUS) مع واشنطن ولندن، لن تتلقى أسلحة نووية، لكنها ستحوز غواصات تعمل بالدفع النووي، مما سيحدث تحولاً بدوره في مشروع بقيادة الولايات المتحدة لحفظ ميزان القوى القائم منذ عقود في منطقة الهادئ.
وقال مستشار البيت الأبيض للأمن القومي جيك سوليفان في مؤتمر صحافي إن مشروع الغواصات يجسد تعهد واشنطن على المدى الطويل بحماية "السلم والاستقرار" في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وأشار إلى أن الشراكة مع أستراليا والتي تتضمن تشارك تكنولوجيا نووية سرية لم يسبق أن تم تشاركها إلا مع بريطانيا هي "التزام سيمتد عقوداً وربما قرناً من الزمن".
 
تصميم بريطاني وتكنولوجيا أميركية
وأوضح أن هذه الغواصات ستحمل تسمية "أس أس أن-أوكوس" وستعمل بالدفع النووي وستكون مجهزة بأسلحة تقليدية. وأعلن أنها ستبنى استناداً إلى تصميم بريطاني وبتكنولوجيا أميركية وستتطلب "استثمارات كبرى" في البلدان الثلاثة.
وقال مسؤول دفاعي أسترالي اليوم الثلاثاء، إن البرنامج سيتكلف ما يصل إلى 368 مليار دولار أسترالي (245 مليار دولار) على مدى الـ30 عاماً المقبلة، ليصبح بذلك أكبر برنامج دفاعي في تاريخ أستراليا.
وقال ألبانيزي إن البرنامج سيبدأ باستثمار قيمته ستة مليارات دولار أسترالي (أربعة مليارات دولار) على مدى أربع سنوات لتوسعة قاعدة غواصات رئيسة وأحواض بناء الغواصات في البلاد إلى جانب تدريب العمالة الماهرة.
وقال مسؤول دفاعي لوكالة "رويترز" إن الكلفة الإجمالية لبرنامج الغواصات تقدر عند 268 مليار دولار أسترالي إلى 368 ملياراً بحلول 2055، أي ما يعادل نحو 0.15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً. وتشمل هذه القيمة التقديرية تكلفة بناء الغواصات وما يرتبط بها من بنية تحتية وتدريب.
وسيجري تسليم أول غواصة أسترالية من فئة "أس أس أن-أوكوس" في عام 2042، وسيجري بناء واحدة كل ثلاث سنوات حتى يصل عدد الأسطول إلى ثماني غواصات.
 
بريطانيا تعزز قدراتها
في مواجهة التحديات الصينية المتزايدة والهجوم الروسي على أوكرانيا المؤيدة للغرب، تتحرك بريطانيا أيضاً لتعزيز قدراتها العسكرية.
وأفادت الحكومة البريطانية الإثنين بأن تمويلاً إضافياً بقيمة أكثر من ستة مليارات دولار في العامين المقبلين "سيملأ ويعزز مخزونات الذخيرة الحيوية ويحدث المنشآت النووية البريطانية ويمول المرحلة التالية من برنامج أوكوس للغواصات".
سبق لأستراليا أن كانت في طريقها لاستبدال بأسطولها الحالي المتهالك من الغواصات العاملة بالديزل مجموعة غواصات فرنسية تقليدية في إطار صفقة بقيمة 66 مليار دولار.
وأثار إعلان كانبيرا المفاجئ أنها ستتخلى عن الاتفاق وتدخل في "أوكوس" سجالاً حاداً جداً لم يدم طويلاً بين البلدان الثلاثة من جهة، وحليفتها فرنسا من جهة أخرى.
ومقارنة بالغواصات من فئة "كولينز" التي ستتخلى عنها أستراليا، فإن تلك التي هي من فئة "فيرجينيا" أطول بمرتين ويمكنها حمل 132 شخصاً من أفراد الطاقم بدلاً من 48.
لكن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً. وقال مسؤول أميركي رفيع طالباً عدم الكشف عن هويته إن البحرية البريطانية ستتلقى السفن من طراز "أس أس أن-أوكوس" في أواخر ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين، فيما سيتعين على أستراليا أن تنتظر حتى أواخر أربعينيات القرن الحالي. في الأثناء سيتدرب البحارة والمهندسون وأفراد الطواقم الأستراليون مع نظرائهم الأميركيين والبريطانيين لاكتساب الخبرات.
 
سباق تسلح
وحذرت الصين من أن "أوكوس" قد يؤدي إلى إشعال سباق تسلح، واتهمت الدول الثلاث بالتسبب بانتكاسة في جهود منع الانتشار النووي.
وقالت الناطقة باسم الخارجية الصينية ماو نينغ لصحافيين في بكين "نحض الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا على التخلي عن عقلية الحرب الباردة والإيفاء بالالتزامات الدولية بنية سليمة، والقيام بمزيد من الأمور المواتية للسلم والاستقرار الإقليميين".
والأسبوع الماضي، اتهم الرئيس الصيني شي جينبينغ الولايات المتحدة بقيادة الجهود الغربية باتجاه "الاحتواء والتطويق والكبت الكامل للصين".
لكن واشنطن تشير إلى أن بكين تثير مخاوف بلدان في منطقة آسيا والهادئ عبر تهديداتها بغزو تايوان التي تتمتع بحكم ديمقراطي، إضافة إلى تشديدها على التهديد الذي تمثله كوريا الشمالية المسلحة نووياً.
وقال المسؤول الأميركي "ما نشهده هو سلسلة خطوات استفزازية تتخذها الصين بقيادة شي جينبينغ في السنوات الخمس إلى العشر الأخيرة"، مشدداً على أن الاتفاق هو محاولة للدفاع عن النظام القائم في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وحمايته.