العدد 5259
الخميس 09 مارس 2023
banner
مجـرد رأي كمال الذيب
كمال الذيب
الزواج العرفي بين اليسار والإسلام السياسي
الخميس 09 مارس 2023

من المفارقات التي عايناها خلال العقود الماضية في مجال الصراع السياسي في الفضاء العربي، ما يمكن أن نسميه بالزواج العرفي بين قوى اليسار العربي وقوى الإسلام السياسي، وذلك استنادا إلى أن الطرفين متموقعين سياسيا في معارضة الأنظمة السياسية العربية القائمة.


ويبني اليسار مثل هذه العلاقة التحالفية مع الإسلام السياسي، على نظرية: “التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي”، التي أسهمت في إعاقة التطور الديمقراطي المنشود وتطور القوى الديمقراطية نفسها، وقد باتت عقلية اليسار محكومة بأن النضال ضد الإمبريالية والسلطات العربية له الأولوية عن النضال ضد الرجعية والتخلف ومن أجل الديمقراطية والحداثة ومدنية الدولة وحرية المرأة، وهي القضايا التي لا تهتم بها قوى الإسلام السياسي في الغالب.


وبهذا التبرير حاول اليسار تفادي الاصطدام مع الإسلاميين، بل وبنى جسور التحالف معهم، معتقدا أنه سيحصل على جزء من الفوائد المحتملة في حالة فوز الإسلاميين سياسيا.. إلا أن التجربة بينت بوضوح أن الإسلام السياسي عندما يتمكن فإنه ينكل أول ما ينكل بقوى اليسار التي تحالفت معه، لذلك تصبح تلعق جراحها وخيباتها، كما بينت التجربة الإيرانية على الأقل.

من دون أن يعقب ذلك أية محاولة جادة لقراءة أو مراجعة نقدية للتجربة، وبالعكس من ذلك، ومع تزايد الدعم الغربي للإسلام السياسي وتوظيفه للمواجهة خلال الحرب الباردة لابتزاز الأنظمة بعد ذلك، ازداد اليسار تشبثا بهذا العقد العربي، فازداد تهميشا وتيها. وأصبح يلوك في مرارة خيباته المتكررة وقابلا بمجرد التبعية لجماعات الإسلام السياسي وقابلا بأداء أدوار هامشية.


إن ما بقي من اليسار العربي بحاجة إلى تجديد جوهري من أجل الخروج من حالة العجز، وأولى الخطوات المطلوبة فك الارتباط بالعقد العرفي مع قوى الإسلام السياسي التي تبين خطرها على المجتمعات العربية، والعمل على إنجاز المراجعة التاريخية والفكرية المطلوبتين، تماشياً مع التطور الهائل الذي تمر به المجتمعات البشرية في كل مكان، وبعيدا عن التبعية لقوى تبين أنها تكرس التخلف والأصولية وتغذي التطرف العقائدي والفكري.


*كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية