العدد 5240
السبت 18 فبراير 2023
banner
العرب وتوطين الحضارة
السبت 18 فبراير 2023


"فاقد الشيء لا يعطيه"، حيث كل ما قيل عن اكتساب الحضارات من الغير يسقط اليوم أمام التطور الهائل لأنماط التقدم الصناعي في الدول الناشئة، لقد استبقت آسيا هذا المفهوم بتكنولوجيا وطنية فتحت الآفاق أمام صناعات وأسواق جديدة تستمد قوتها من تاريخ طويل بأنماط الإنتاج السائدة في هذه المجتمعات.
كثر الكلام في الآونة الأخيرة عن أسطورة استحضار الحضارات وإعادة إنتاجها وترميم "الآيل" منها، وفي هذا المعترك أصبح توطين التكنولوجيا على المحك وإعادة إنتاجها محليًا أمام التحدي الكبير، ذلك أنها انطلقت من فراغ، وبدأت من حيث انتهى الآخرون، ولم يتحقق لها التطور التراكمي في منظومة التقدم العلمي الهائل. أصبحنا مستوردين للتكنولوجيا، مستهلكين لها، متداولين لأفكارها ولسنا خالقين لهذه الأفكار، والسؤال الذي يطرح نفسه، من أين نبدأ يا ترى؟ وكيف نلحق بقطار الحضارة؟ بكل تأكيد تجربتنا المصرية في الحرف اليدوية والأسر المنتجة والصناعات الصغيرة والمتوسطة، وتلك التي أنتجتها عشوائيات لحظات تاريخية معينة كورش الأحياء الشعبية ومصانع المشغولات الذهبية والفضية، وتلك التي أنتجتها الحواري القديمة والمدن الصناعية وغيرها. هذا يؤكد أننا نمتلك صناعات لها تاريخ، مثل صناعة الأثاث والمشغولات و"الأنتيكات" والفضيات وغيرها، هو ما تجلى تمامًا في صناعة السجاد المصري والسيراميك، وكل ما تقع عليه العين في المعارض الصناعية الدولية التي تنعم بالزوار من كل حدب وصوب. 
هنا يأتي دور الجامعات والبحث العلمي ومراكز البحوث التي يمكنها أن تجمع بين المحافظة على الصناعات التراثية وصناعات التقنية المتقدمة، هو ما يستدعي أن تتحول مناهجنا وبرامجنا التعليمية من التلقين إلى التفكير، ومن التقليد إلى الإبداع، ومن التكرار إلى التميز، ومن هذا المنطلق يمكننا إطلاق مبادرات خلاقة للشباب لينخرطوا فورًا في تلك القناة التي تجمع بين النظرية والتطبيق، بين قاعة المحاضرات ومعمل التجارب.
في كوريا الجنوبية وهي دولة من النمور الآسيوية المتقدمة جدًا، وعندما عجزت الكثير من شركاتها العملاقة، استعانت بالجامعات وبحوثها لكي تجد حلولًا ناجعة لمشكلاتها، ولماذا هذه الشركات تأخرت بعد تقدمها؟ ولماذا فقدت أسواقها التقليدية؟ فما كان من هذه الجامعات إلا أن اكتشفت العديد من الحلول التي قامت بإدخالها إلى خطوط الإنتاج وتطويرها بما يتماشى مع السائد في الأسواق العالمية، وهو ما ألقى بظلاله بعد ذلك على جودة المنتج الكوري وعلى تطوير قدرته في المنافسة في الأسواق العالمية الشرسة.
هذا أدى إلى إيجاد الحلول الجذرية لمشكلات الصناعات الكورية التي أصبحت تضاهي أكثر المنتجات بل وتتفوق على المنتجات العالمية، لماذا لا نبدأ هنا من حيث انتهى الآخرون؟ ونشجع مراكز البحث العلمي والجامعات على تتبع مشكلات المصانع المتعثرة في مصر والعالم العربي، فبدلًا من أن نبيعها أو نطرحها في أسواق المال كشركات خاسرة نقوم بتطويرها وإعادة هيكلتها وتصويب مسارها.

كاتبة مصرية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية