العدد 5233
السبت 11 فبراير 2023
banner
زلزال شرق المتوسط كارثة إنسانية
السبت 11 فبراير 2023


يخطئ من يظن أن زلزال شرق المتوسط الذي ضرب تركيا وسوريا ووصل إلى بعض الدول المجاورة هو كارثة تركية أو سورية فقط، ذلك أن المصاب هو الإنسانية جمعاء، ليست تركيا أو سوريا أو القوميات المتناحرة بين البلدين.. من هنا فإن الكيل بمكيالين والتفرقة في المساعدات بين البلدين بشماعة العقوبات الدولية على سوريا، إنما يضع العالم كله والمجتمع الدولي بأسره أمام الاختبار العظيم، إما أن يتوحد العالم أو يتفرق في البقاع إلى عوالم شتى، إما أن يسوده العدل أو سيذهب الجميع إلى الجحيم.
العالم أجمع ربما أمام أصعب امتحان في تاريخ الكوارث الطبيعية لأن الزلزال لسبب لا يعلمه إلا الله قد ضرب المناطق المتنازع عليها بين دولتين تمامًا مثلما ضرب الحدود المتاخمة للعديد من القوميات المتناحرة في نفس المنطقة، وأهمها التركية والكردية والتركمانية والعربية وربما الفارسية أيضا، حيث إن الزلزال لم يفرق بين هذا وذاك. وعندما تأتي أية دولة وتلوح بسلاح العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا اليوم فإن ذلك يتعارض مع كل المواثيق والأعراف الدولية وتلك المرتبطة بحقوق الإنسان في أي زمان ومكان.
لقد راح ضحية هذا الزلزال نحو 12 ألف قتيل، وعشرات الآلاف من الجرحى، وتضرر نحو 30 مليونا من السكان، هذا يؤكد أن هذه الكارثة إنسانية بامتياز ولم تفرق بين دولة منتصرة في الحرب وأخرى مهزومة، تمامًا مثلما لم تفرق ولم تميز بين شعب يعتنق منهجًا معينًا أو سياسة خارجية بعينها أو ينتمي لعرقٍ أو جنسٍ أو لون، فالمصاب هو الإنسان أينما كان.
وإذا تتبعنا مواقف الدول العربية فإنها لم تفرق أبدًا بين تركيا وسوريا في المساعدات، والجسر الجوي الذي أقامته عدة دول لإيصال هذه المساعدات إلى سوريا كان على الجانب الآخر جسرًا عربيًا مكثفًا بتوصيل المساعدات "علاجية وإغاثية وغذائية وطبية وبشرية وهندسية" إلى تركيا في نفس الوقت وبنفس المقدار. وعقب انتشار نبأ الزلزال الرهيب أجرى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اتصالين هاتفيين مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رغم الخلافات السياسية بين البلدين، حيث إن قيمنا الإنسانية في مصر والعالم العربي تتقدم على أية اعتبارات أخرى مهما كانت هذه الاعتبارات، كما أجرى اتصالًا مع الرئيس السوري بشار الأسد رغم تناقض بعض المواقف بينهما، وأكد لهما أن مصر سوف تسير جسرًا جويًا بالمساعدات المطلوبة. معزيًا كلا منهما في الضحايا التي خلفها هذا الزلزال. 
العالم الآن أمام أصعب اختبار، والمنطقة أيضًا، خصوصا بعد أن اتضح أن التغير المناخي وعدم المحافظة على كوكب الأرض سوف تنتج عنه العديد من الكوارث الطبيعية "زلازل – أعاصير – فيضانات" وغيرها.
الأمر الذي يتطلب وقفة جادة من كل دول العالم لمواجهة الانبعاثات الحرارية التي تسببت في توسيع ثقب الأوزون وإحداث الاختلالات الجيولوجية في القشرة الأرضية وعند القطبين الشمالي والجنوبي، ما أدى إلى الاختلال في درجات الحرارة والرطوبة ومناسيب الأنهار والبحار والمحيطات.
جميع الدراسات في المؤتمر الذي عقد على أرض شرم الشيخ في مصر في شهر نوفمبر من العام الماضي حذرت من مثل هذه الظواهر الطبيعية الغريبة على الأرض، وتنبأت بأن الخمسين عامًا القادمة ستشهد اختفاء مدن تاريخية ذائعة الصيت ومنها مدينة الإسكندرية، هذا إذا لم يأخذ العالم هذا التهديد الكوني مأخذ الجد.
وها نحن اليوم نشهد أعنف زلزال تعرضت له تلك المنطقة كإنذار استباقي لما قد يحدث في المستقبل، العالم العربي بكل مراكز بحوثه ومعامله وعلاقاته الدبلوماسية مع المجتمع الدولي مطالب الآن أكثر من أي وقت مضى بأن يحمل مقررات مؤتمر المناخ "شرم الشيخ 2022" محمل الجد، وإلا قد تتعرض الأرض لما لا يحمد عقباه.

كاتبة مصرية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .