العدد 5225
الجمعة 03 فبراير 2023
banner
طه حسين كمان وكمان
الجمعة 03 فبراير 2023

فرصة عمر، طبق من ذهب، ربما، لكن الأكيد أن احتفالات القاهرة هذه السنة باليوبيل الذهبي لوفاة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين ستشهد تدشينًا لمشروع تنويري جديد يحمل عنوان: طه حسين كمان وكمان، هذا المشروع يمكن أن يعتمد على الإرث التاريخي الثقافي والأدبي الذي تركه العميد خلال القرن العشرين، وكيف أنه كان قنطرة مفعمة بالإرادة والعزيمة لنقل الحضارة الغربية إلى الشرق.
ولم لا فهو قاهر الظلام الذي فقد بصره منذ طفولته الصعيدية البسيطة، ومنذ كان يدرس تحفيظ القرآن في كتاتيب ذلك الزمان، ومنذ كان طالبًا مشاكسًا في الأزهر الشريف، خصوصا مع أستاذه الكفيف مثله الشيخ يوسف عبدالرحمن الدجوي الذي رفض منحه درجة العالمية التي تعادل الدكتوراه في ذلك الوقت، ما دفع به وبإرادة من حديد إلى أن يحصل على هذه الدرجة العلمية الرفيعة من جامعة السوربون الفرنسية والتي تعد من أشهر وأعرق الجامعات العالمية على الإطلاق.
حياة قاهر الظلام وتزامنًا مع معرض القاهرة الدولي للكتاب تحولت إلى قصص ونوادر وحكايات شعبية، سواء من خلال الندوات التي اكتظت بها أروقة وأجنحة وقاعات المعرض الدولي أم عن طريق مؤلفاته التي مازالت الأكثر مبيعًا في هذا السوق الثقافي الدولي، خصوصا كتابه الذي يحكي قصة حياته، والذي يحمل اسم "الأيام" إلى جانب "المعذبون في الأرض" و"حديث الأربعاء" و"في الشعر الجاهلي"، إضافة إلى رواياته الخالدة "شجرة البؤس" و"دعاء الكروان" و"الحب الضائع" وغيرها .
مشروع طه حسين كمان وكمان سوف ينطلق قريبًا لإعداد المفكرين من خلال أول مؤسسة سترعى المفكرين وتتولى تربيتهم وحمايتهم وإعدادهم تيمنًا بسيرة طه حسين أو على هامش سيرته، وضفاف نورانياته، وتشبثا بالأمل الكبير في أن الوطن الذي أنجب طه حسين يمكنه أن يأتي بأكثر من طه حسين، بشرط أن تكون لدينا الإرادة والمشروع، وأن نمتلك من المؤسسات الداعمة المؤمنة بالفكرة والقادرة على اتخاذ القرار الشجاع وتنفيذه وفقًا لجداول أعمال وخطوات واضحة، بحيث لا يصبح هذا المشروع بوقًا حماسيًا بمناسبة مرور خمسين عامًا على وفاة الراحل الكبير. 
ولأن فاقد الشيء لا يعطيه فإن هذه المناسبة الجليلة المتزامنة مع معرض القاهرة الدولي للكتاب أتاحت للمثقفين فرصة الالتقاء والتشاور في هذا المشروع الذي مازال يفتقد الداعم الأكبر أي الدولة أو المؤسسات الراعية للتفكير.
هنا لابد أن نتوقف طويلًا أمام الدور الطليعي للإعلام الذي كان يجب أن يتفرغ أكثر لتوجيه المجتمع نحو هذه المشروعات الخلاقة وتشكيل قوى فاعلة على الأرض بحيث تكون قادرة على التواصل والتفاعل مع المشروع، بالإضافة إلى حث الجهات المعنية بالثقافة والفنون والآداب في مصر والعالم العربي لكي تقف خلف الفكرة.
في الولايات المتحدة الأميركية تحديدًا خرجت مؤسسات جديدة ليس لحماية الملكية الفكرية فحسب، إنما لحماية التفكير أيضًا، ومن هذا المنطلق لابد أن يتحرك مشروع طه حسين كمان وكمان ضمن مناخ ثقافي أكثر حركية من ذلك السائد الآن، والذي لا تنضج فكرته إلا مع قيام معرض أو عقد ندوة أو مهرجان لسبب أو لآخر.
لابد مثلًا أن تكون لدينا حركة ثقافية ممتدة طوال العام، وفي حالة انعقاد دائم، خصوصا أنه توجد بالقاهرة وحدها أكثر من ألف دور نشر، وقد تصل إلى آلاف إذا أضفنا إليها دور النشر الممتدة على طول البلاد وعرضها، هو ما يؤشر بأن الكتاب سيظل حيًا، وأن طه حسين لم يرحل فهناك "طه حسين كمان وكمان".

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية