الاستقلال الاستراتيجي من المفاهيم المهمة التي ظهرت قبل سنوات وأخذت حيزًا أكبر من الاهتمام الأوروبي بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية كأحد أهم أدوات التعايش مع الوضع العالمي الجديد وما فرضه من تغيرات وتحديات.
ففي سبتمبر من العام 2021م، اعتبر رئيس الاتحاد الأوروبي شارل ميشيل أن النفوذ الدولي هو التحدي الأكبر الذي يواجه الاتحاد، مشيرا إلى أن “ما حدث في أفغانستان (في إشارة إلى الانسحاب الأميركي الذي حدث في أغسطس 2021م) قدم دليلا صارخا على ذلك، مشددًا على أهمية تحقيق أكبر قدر من الاستقلال الذاتي، وتعزيز نفوذ الاتحاد دوليًا، وعدم الانتظار لحين وقوع حدث جيوسياسي جديد، على غرار ما حدث في أفغانستان، واضعًا خطوطًا مهمة للعمل أهمها مجال الأمن والقدرات الدفاعية الجماعية، وتطوير العلاقات مع الشركاء لتشكيل تحالفات قوية.
إلا أن الحدث الجيوسياسي الجديد وقع وكان هذه المرة ماسًا بالاتحاد نفسه وخلق وضعًا مربكًا ومقلقًا لدوله بالحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها متنوعة الأبعاد وعابرة الحدود، ما دفع إلى إعطاء زخم واهتمام أكبر بقضية الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي، لاسيما مع سيطرة هاجس انتهاء الدعم الأمني والسياسي الأميركي مع تركيز واشنطن على تنافسها مع الصين.
وفقا لموقع DW، كتب جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، محذرا من أن أوروبا مهددة بأن تصبح غير ذات أهمية، قائلا “قبل 30 عاما كانت حصة قارتنا ربع الرخاء العالمي، وفي غضون 20 عاما ستكون حصتنا من الإنتاج الاقتصادي العالمي 11 بالمئة كحد أقصى”، معتبرا أن الاستقلال الاستراتيجي هو قضية البقاء السياسي. بل إن مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي (ECFR) ينشر تقارير تتعلق بمؤشر الاستقلال الأوروبي لمتابعة وتقييم طريق الاتحاد الأوروبي للوصول لهذا الاستقلال في مجالات حماية المناخ والدفاع والاقتصاد والصحة والهجرة والتقنية، ويقوم كذلك بتقييم كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي على حدة ومدى مساهمتها في استقلالية أوروبا.
فما أحوج العرب إلى السير بكل جدية وبخطط آنية ومستقبلية ومبادرات فردية وجماعية لتحقيق استقلالهم الاستراتيجي الذي يحقق مصالحهم ويدفع عنهم ما يواجههم من مخاطر وتحديات.
*كاتب مصري متخصص في الشؤون الدولية