العدد 5145
الثلاثاء 15 نوفمبر 2022
banner
ما وراء الحقيقة د. طارق آل شيخان الشمري
د. طارق آل شيخان الشمري
حديقة بوريل الجميلة
الثلاثاء 15 نوفمبر 2022

خلال الأسابيع الماضية صدر لمنسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل تصريح أثار ضجة واسعة لدى الأوساط العالمية، سواء الأوساط السياسية أو المجتمعية أو الدينية في غالبية دول العالم، وارتكز هذا التصريح على وصف أوروبا بالحديقة الجميلة بكل ما تعنيه من جمال وهدوء وراحة وأمان، وعلى العكس من ذلك، وصف بقية دول العالم من غير الدول الأوروبية بالغابة وما تعنيه من فوضى وخوف وسيطرة القوي وافتراسه الضعيف، وحينما ثارت هذه الأوساط على تصريحات بوريل، رفض الأخير الاعتذار عن هذا الوصف بحجة أنه لا يقصد كل دول العالم بل بعضها، لكنه اعتذر لاحقا. 
لكن المهم هو أن نقرأ تصريحات بوريل ليس بسطورها، بل بخفايا المعاني التي حملتها، وما تحويه هذه الخفايا من نظرة أوروبا لبقية هذا العالم. وبالطبع فإن مسؤولا كهذا يتبوأ منصبا قياديا بالاتحاد الأوروبي، لا يمكن أن تصدر عنه تصريحات لا معنى لها أو أنها هفوات لسان، بل إنها تعني سياسة وشعورا خفيا لنظرة أوروبا لبقية العالم، ويمكن اختصار خفايا السياسة الأوروبية التي عبر عنها بوريل بالتالي: أولا العنصرية الأوروبية.. هذه التصريحات صنفت العالم إلى صنف متحضر وهو أوروبا وصنف متخلف من غير الأوروبيين، وهذه النظرة العنصرية للرجل الأبيض من أوروبا، وليس أميركا أو كندا طبعا، هي نتاج إيمان الأوروبيين بأنهم من قادوا حضارة العالم وتقدمه وازدهاره، وهي نظرة غبية لأن واشنطن قدمت للعالم كل العلوم والتقدم والتكنولوجيا أضعاف ما قدمته أوروبا، ومع هذا فإن واشنطن ليست ذات نزعة عنصرية لا على مستوى الشعب ولا الحكومة.
ثانيا تصريح بوريل يشرعن لأوروبا صاحبة الحديقة الغناء الحق في غزو الغابة واستخدام كل الوسائل لأي خطر تراه يأتي من هذه الغابة للعبث بهذه الحديقة الجميلة. وهذا الوصف يعني إعطاء الحق لأوروبا للسيطرة على بقية بلدان العالم، وهذا ما حدث خلال العقود الماضية حينما استعمر الأوروبيون دول العالم وارتكبوا مذابح بحق شعوبها، والجزائر وليبيا ليستا بعيدتين عن هذه المجازر باعتراف الأصوات الأوروبية نفسها.
كاتب كويتي

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .