+A
A-

إرث ثقافي وتاريخ إنساني يتواصل مع الحاضر من أجل التعايش والسلام

بذلت مملكة البحرين جهوداً كبيرة، في البناء على إرثها التاريخي والثقافي، لتكريس التعايش وحرية المعتقد وتواصلها في المسيرة التنموية الشاملة التي يقودها صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، بدعم من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، لتثمر عن تجربة ريادية ذات اتصال تاريخي، نموذجاً يُحتذى على المستوى الدولي، هذا النموذج الذي اختصره صاحب الجلالة الملك المعظم في كلمة اتسمت بالحكمة البالغة حين أكد أن السلام هو الاختيار العاقل لصالح المجتمعات وتقدمها وقال جلالته “إن الجهل ببواطن الأمور هو العدو الأول للسلام، لذلك ومن واجبنا أن نتعلم ونتشارك ونحيا معاً في ظل عقيدة الإيمان بروحٍ من الاحترام المتبادل والمحبة”.
 هذه اللغة والنهج مبادئ ثابتة وسلوك معاش تعرفه مملكة البحرين وترتبط به، ولا أدلّ من ذلك اتساع صدر مملكة البحرين وشعبها للكل، ولعل مدينة المنامة تقف شاهداً حياً على التنوع الفريد لحجم التداخل والتمازج بين جميع الديانات والطوائف والثقافات والحضارات ممن تمركزوا في قلبها من كل بقاع العالم باختلاف الأغراض والأهداف، حيث شكلت العاصمة منذ القدم إرثاً إنسانياً وحضارياً عريقاً، وكانت ومازالت بمثابة نقطة التقاء جامعة لكل من وفد إليها واستقر ووجد وجهته في دور عبادة آمنة لمختلف الأديان، بادرت المملكة بتشييدها، وكانت الرائدة في المنطقة التي تحتضن أقدم، وأعرق المساجد والكنائس والمعابد، وتقديراً لهذا الثراء الثقافي الذي تتمتع به المنامة واعتبارها نموذجاً نابضاً على التعايش والتعددية، تم إدراجها على قائمة اليونيسكو التمهيدية للتراث العالمي الإنساني والمدن المبدعة.
هذا النهج القائم على لغة الحوار و التفاهم والتسامح هي مبادئ تكرس وتدرس كحاجة ملحّة وليست ترفاً، كونها تسير نحو ما يؤلف بين الشعوب ويقربها لا إلى ما يفرق بينها، ومن هنا تنبع أهمية الدور المحوري الذي يقوم به صاحب الجلالة ملك البلاد المعظم في تحقيق هذه الرؤية المستقبلية المستنيرة، الشاملة والمنفتحة على التعايش والسلام العالمي، كما تبرز بشكل كبير الجهود التي تقوم بها مملكة البحرين ممثلة في مركز الملك حمد للتعايش السلمي لتأهيل أجيال قادرة على نشر ثقافة الحوار والتعايش، ولتكون مملكة البحرين بقعة الضوء التي تنشر السلام والمحبة في كل أرجاء المعمورة.
ومن أجل هذه المبادئ السامية والنهج الحكيم الذي يقوده جلالة الملك المعظم لم تتوقف الجهود لتعزيز ثقافة الاختلاف واحترام الآخر والتعايش بسلام بإطلاق ورعاية مبادرات تنبض بالحياة على أرض الواقع وبرامج عالمية لنشر ثقافة السلام والتعايش، منها مبادرة “إعلان مملكة البحرين” التي كانت واحدة من ثلاث مبادرات ملهمة أطلقتها جمعية “هذه هي البحرين” والتي تعد انعكاساً لعمق التجربة البحرينية في مجال التعايش والحوار بين الأديان وتجسيداً لرؤية جلالة الملك المعظم في هذه المجال.
كما جاء تدشين مركز الملك حمد العالمي للحوار بين الأديان والتعايش السلمي في البحرين عام 2018 ليكون نقطة انطلاق للمملكة لتصبح محطة عالمية للسلام والتفاهم والحوار بين الأديان.
ويعد تدشين “كرسي جلالة الملك حمد للحوار بين الأديان والتعايش السلمي” في جامعة سابيانزا الإيطالية بالعاصمة روما، أقدم الجامعات الحكومية في أوروبا، هي المبادرة الثالثة المهمة التي عبرت بجلاء عن اهتمام جلالة الملك المعظم، بالتعليم والبحث العلمي وكذلك نقل تجربة مملكة البحرين الرائدة في التعايش السلمي للمجتمع الدولي لتكون نموذجاً يحتذى به.
وإطلاق عدة مبادرات وبرامج عالمية مختلفة تكرس المفهوم العالمي للسلام، على رأسها إطلاق مركز الملك حمد العالمي للحوار بين الأديان والتعايش السلمي لبرنامج: (الملك حمد للإيمان - في القيادة) بالتعاون مع جامعتي أوكسفورد وكامبريدج ببريطانيا، وتأسيس برنامج “مركز الملك حمد للسلام السيبراني لتعزيز التسامح والتعايش بين الشباب” في مدينة نيويورك الأميركية.
وباعتباره الجهة الرسمية الداعمة والمعنية بتنفيذ برامج الحوار بين الأديان وجهود السلام العالمي، عمل مركز الملك حمد للتعايش السلمي وعلى مدار أربعة أعوام منذ تأسيسه، على تنفيذ وإطلاق برامج إستراتيجية تعنى بفئة النشء والشباب إيماناً بأن التعليم والتدريب والوعي يتشكل من هذه الفئة العمرية المبكرة، لصنع أجيال واعية، مُسلّحة بقيم التعايش السلمي والثقافة والعلم، قادرة على مواجهة التحديات المختلفة التي تهدد نشر السلام في العالم”.
وكثمرة لهذه الجهود، أطلق مركز الملك حمد للتعايش، برنامج (الملك حمد للإيمان - في القيادة) بالتعاون مع جامعتي أوكسفورد وكامبريدج ببريطانيا ويعد البرنامج الأول من نوعه للتدريب على مهارات الحوار والتبادل الثقافي مع مختلف الشخصيات وتطوير مهارات القيادة لديهم، حيث نجح البرنامج في إثبات أهميته ومكانته وحظي بإقبال كبير من مختلف أنحاء العالم، كما تمكن البرنامج من تخريج 40 طالباً وطالبة على دفعتين من القيادات المستقبلية الواعدة بعد تأهيلهم لكي يصبحوا سفراء مملكة البحرين في نشر قيم التسامح والتعايش السلمي إقليمياً وعالمياً.
كما أطلق مركز الملك حمد للتعايش عام 2019 على هامش انعقاد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، برنامج “مركز الملك حمد للسلام السيبراني لتعزيز التسامح والتعايش بين الشباب”، وهو بمثابة منصة محاكاة تفاعلية عبر الشبكة المعلوماتية، إذ سيعمل المشاركون في عالم افتراضي بصورة فردية أو ضمن فرق لاتخاذ قرارات بشأن كيفية الاستجابة للقضايا والتحديات المتعلقة بالتعايش، والتي تشمل العدالة والظلم والأمن والتمييز والجرائم، والعنف، والتعصب الديني، وغيرها، ويستهدف البرنامج الشباب لجعلهم رواداً في مكافحة الإرهاب الإلكتروني ومحاربة خطاب الكراهية والتطرف، إضافة إلى وضع حد لكل أشكال التحريض السيبراني على ارتكاب أعمال عنف وإرهاب باستخدام التكنولوجيا المتطورة.
وإسهاماً في زيادة الوعي الإقليمي والعالمي بأهمية احترام الأديان وتقبل الآخر لتحقيق السلام والوئام بين مختلف الشعوب والمجتمعات، أطلق مركز الملك حمد للتعايش السلمي في يوليو من العام الماضي 2021 “وسام الملك حمد للتعايش السلمي” الذي سيكون بمثابة وسام استثنائي لتكريم خيرة الشخصيات والمنظمات العالمية الداعمة للقيم الإنسانية النبيلة التي تتبناها مملكة البحرين منذ مئات السنين ووصلت ذروتها في ظل العهد الزاهر لجلالة الملك المعظم.
إن مملكة البحرين، وبفضل الجهود المباركة لصاحب الجلالة الملك المعظم ورؤيته الحكيمة، والعمل الدؤوب للحكومة برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، نجحت في الحفاظ على مبادئها الراسخة، حتى أصبحت تتمتع اليوم بقدر رفيع من التقدير والاحترام والإشادة الدولية بجهودها في سبيل تعزيز التعايش السلمي بين الشعوب بما يساهم في الارتقاء بالمجتمعات ونشر ثقافة السلام في العالم.