أستفاد الرئيس المصري جمال عبد الناصر بعد هزيمة يونيو1967 كثيرا من عِبرها ودروسها، وأنتهج نهجاً أكثر واقعياً للتحضير لمعركة تحرير سيناء،إذتوصل إلى استحالة مواجهة إسرائيل مع فتح جبهات عدائية مع معسكر الدول العربية المحافظة في آن واحد، وإن ظلت المسألة الديمقراطية -كأبرز عوامل الهزيمة- مؤجلة بشعار "لاصوت يعلو على صوت المعركة"،كما رفع شعار " قومية المعركة"، والذي كان من أهدافه تسخير جزءا من ميزانيات الدول العربية المقتدرة للتحضير للمعركة.
على أن عبد الناصر باشر على الفور بُعيد الهزيمة لتدبير قدراً مهماً من المال أعتمادا على الجهود الوطنية الذاتية تحت شعار دعم " المجهود الحربي"،وأضطلعت الفنانة الكبيرة اُم كلثوم بدور كبير بهذه المسؤولية، وذلك من خلال احيائها حفلات غنائية في الداخل والخارج، تسخّر عائداتها للمجهود الحربي، وكانت أشهر رحلتين لها في هذا الصدد، تلك التي قامت بها إلى باريس في نوفمبر 1967، وموسكو في سبتمبر 1970، وقد تكللت زيارتها للعاصمة الأولى بالنجاح، بل كانت حدثا تاريحياً استثنائيا غير مسبوق تحدثت عنه الصحافة الفرنسية بتغطيات واسعة، كما تناولته محطات التلفزة الباريسية، وكان جُل الحاضرين في الحفل من العرب المقيمين في باريس والعواصم الاوروبية، ومنهم من قدِم إلى فرنسا من بلاده العربية. ومن أشهر ما شهدته حفلتها على مسرح الأولمبيا من وقائع غريبة حينما باغتها معجب عربي هام جنوناً بأدائها الغنائي، فقفز على المسرح لتقبيل قدميها ما أدى إلى سقوطها أمام ذهول الحاضرين ومن بينهم فرنسيون !
أما زيارتها للعاصمة السوفييتية - موسكو- فقد جرت عشية وفاة الرئيس عبد الناصر أواخر سبتمبر 1970، إلا أنها أضطرت إلى قطعها وعدم أستكمالها فور أن تناهى إلى مسامعها الخبر الصادم برحيله في 28 من الشهر نفسه،فعادت أدراجها إلى القاهرة.وكان أن تم التحضير لبرنامجها في موسكو على مستوى رفيع شاركت فيه وزارتا الخارجية والثقافة، وطُلب من السفير المصري في موسكو مراد غالب،بأن تُعامل بصفة رسمية كبيرة، وحرصت القيادة السوفييتية من جانبها على توفير أفضل الترتيبات والتسهيلات لتلك الزيارة التاريخية الأولى من نوعها، وكان يصطحبها فيها 50 شخصاً من بينهم 21عازفاً، هذا عدا الوفد الإعلامي. وكان من المقرر أن تُحيي أربع سهرات، إثنتان في موسكو، وإثنتان اُخريان في العاصمة الأوزبكية طشقند، كما سبق أن أجرت معها صحيفة البرافدا في عام 1969 حواراً موسعاً. وبعد أن تبلغت تدريجياً بخبر وفاة الرئيس أنخرطت في بكاء طويل ؛ لما تربطها بالزعيم الراحل من علاقة خاصة متميزة، هو الذي قلدها قلادة النيل، فيما خصته من جانبها بعدد من أغانيها. وحينما عادت إلى القاهرة في الأول من أكتوبر لم تفارقها لوعة الفراق، وأغلفت الحجرة على نفسها مكتئبةً بشدة، وفشل الشاعر نزار قباني مرات عديدة في الاتصال بها ليطلب منها أن تغني له قصيدة رثائية عن عبد الناصر "عندي خطاب عاجل إليك"، إلا أنها أستلمتها بواسطة قناة اخرى غير مباشرة، ووافقت على غنائها تسجيلياً في دار الإذاعة، وكانت طوال التسجيل الذي أستمر من منتصف الليل حتى الثامنة والنصف صباحاً، تخنقها العبرات والدموع تغمر عينيها بين فقرة واخرى من فقرات القصيدة، فتأخذ قسطاً من الراحة جلوساً ثم تواصل اداء الأغنية. وفي اليوم التالي سرعان ما طلبت - مدفوعة بحسها الإنساني- بعدم إذاعة الأغنية أحتراماً لمشاعر خليفته أنور السادات، بعدم إذاعة الأغنية، ما دامت على قيد الحياة، وإن كانت الإغنية بعدئذ تسربت لشركة "صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات" وأستمع إليها الجمهور في مصر والعالم العربي، ولم تغنِ بعد هذه الأغنية سوى بضع أغاني كانت متوسطة المستوى، باستثناء إغنية "أغداً ألقاك" التي تألقت فيها، وهي من كلمات الشاعر السوداني الشاب الهادي آدم ، وتلحين رياض السنباطي،لترحل عن عالمنا في فبراير 1975 بعد أقل من خمس سنوات من رحيل عبد الناصر.