في خطاب له في الستينيات كشف الرئيس المصري الراحل عبدالناصر واحدة من أهم النقاط الخلافية بينه وبين حسن الهضيبي، مرشد جماعة الإخوان المسلمين عام 1953، في المفاوضات التي جرت بينهما بعد أن حل الأول الأحزاب مستثنيا "الجماعة" على أمل استيعابها، لكنه فشل في ذلك واصطدم بقوة معها إثر تورطها في محاولة اغتياله في ميدان المنشية بالأسكندرية 1954، فقرر أن يشملها قرار حل الأحزاب، وتتمثل النقطة الخلافية في أن الهضيبي كان على رأس مطالبه فرض الحجاب على نساء مصر بأكملها، وهو ما رفضه عبدالناصر، مفحماً إياه بأنه هو نفسه له بنت في كلية الطب وغير قادر على إلزامها بالحجاب!
وكما هو معروف لم يكن ارتداء الحجاب حينذاك شائعاً بين طالبات وشابات مصر المتعلمات، تماما كما كان حال طالبات وشابات إيران عند استيلاء الملالي على الحكم واستئثارهم به 1979، ما يعني أن تيار "الإسلام السياسي" في البلدين لا يعرف شيئاً في السياسة اسمه "الواقعية" أو "فن الممكن"، ولعل ما نتابع فصوله الآن من احتجاجات دامية داخل إيران إثر مقتل الشابة مهسا أميني على أيدي "شرطة الأخلاق" هي ردود فعل مكتومة طويلا آن لها أن تتفجر - إلى جانب عوامل أخرى - ضد سياسة القبضة الحديدية لفرض الحجاب، حتى إزاء من لم ترتده - حسب مزاعمهم – وفق "الضوابط الشرعية"، فهل كانت هذه القضية حقاً أخطر قضية آنية قصوى تواجه الجمهورية "الإسلامية" في إيران من بين كل التحديات الأمنية الداخلية والاجتماعية الأخرى التي تواجهها، والتي من بينها تفشي البطالة والفقر والدعارة والمخدرات والجريمة؟ وجميعها ظواهر تتنافى مع قيم الإسلام وأشد خطورةً من السفور، واعترفت بها صحافة النظام نفسه قبل إعلام أعدائه في الخارج.
وما لا يتمعن في مغزاه ودلالاته الملالي الحكام أن شطراً غير قليل من جيلين من الفتيات بلغن اليوم زهاء العشرين من أعمارهن، لم تكن جداتهن محجبات قبل أكثر من 40 عاماً من قيام الجمهورية الإسلاموية، وبرضا أجدادهن، ولعلهن اطلعن على ألبومات لصور جداتهن سافرات، واللائي لم تكن متمردات على فروض دينهن أو يدعين لممارسة الرذيلة، كما يصور النظام القائم ثقافتهن في الملبس.
ثم ماذا يفيد نظام طهران أن تتقيد فتيات بالحجاب، لمجرد اتقاء بطشه بهن وهن غير مقتنعات به؟ ولا يخفى على أحد اليوم أن كثرة من الملتزمات بالحجاب، ولا نقول كلهن، لا يدل ارتداؤه بالضرورة على تأييدهن ثقافة الإسلام السياسي، إنما لأسباب معقدة - موضوعية وذاتية - ليس هنا موضع بسطها، فبينهن من مؤيدات الحداثة، إن جاز القول، دع عنك من يتخذنه لغايات بعيدة تماماً عن قيم الإسلام.
وماذا نفسر أن تُعهد مسؤولية الضبط لرجال شرطة الأخلاق الذين خلال عملية الضبط يلمسن بعنف أجسادهن لإخضاعهن للاعتقال، في حين يُحرّم على الرجال مصافحة النساء، كما يُفرض على النساء الامتناع عن المصافحة؟ أما الجانب الآخر الذي تكشفت عنه فضيحة المغدورة أميني، هو ما يمارسه النظام من سياسة شوفينية تجاه الأقليات القومية تتناقض مع ما يدعيه من تطبيق المساواة بينها باسم الإسلام، ذلك أن اسم "مهسا" الأصلي في الكردية هو "جينا"، تماما كما يحدث من تغيير في أسماء مواليد العرب بتحويرها لتنسجم مع اللغة الفارسية، وقضايا عرب خوزستان في هذا الصدد أكثر مما تعد.
وإذ تلعب الحركة النسائية الإيرانية - ذات الجذور العريقة الضاربة في تاريخ إيران الحديث - دوراً محورياً مهماً في النضال من أجل حقوق المرأة وسط تلك الظروف القمعية، فمن أسف ألا تجد لها صدى تضامنياً بين الحركات النسائية والأحزاب المناضلة من أجل تقدم المرأة في عالمنا العربي إلا في أندر الأحوال.