العدد 5055
الأربعاء 17 أغسطس 2022
banner
البشرية ومأساة الحروب المستمرة منذ القدم
الأربعاء 17 أغسطس 2022

يجد المتبحر في بطون كتب التاريخ قديمها وحديثها حقيقة صعبة ومرة، وهي استمرار الحروب منذ نشأة الحضارات القديمة، أي منذ خمسة آلاف سنة وحتى عصرنا الحالي. وقد زهقت فيها أرواح الملايين من البشر، وكأن الحروب قدرًا فما أن تنتهي حرب هنا تبدأ حرب هناك، مخلفة إضافة إلى القتلى الدمار والبؤس والشقاء.

وقد اتضح جليًا أنه كلما تطورت المجتمعات البشرية من الناحية العلمية والتقنية، يتم تسخير تلك التطورات في صناعة الأسلحة الفتاكة والتي منها أسلحة الدمار الشامل ليقتل الإنسان أخيه الإنسان ويفتك به من غير رحمة.

وتؤكد جميع الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام على حرمة القتل من دون سبب شرعي وجيه يوجب ذلك. فقد جاء في القرآن الكريم في آية المائدة (من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا).

ومن المدهش حقًا أن تذكر كتب ومصادر التاريخ أن الحروب من خلال جيوش منظمة بدأت منذ البدايات الأولى لنشوء الحضارات القديمة، كالحضارة الفارسية وحضارة وادي الرافدين، والحضارة الفرعونية، والحضارة الإغريقية والرومانية. وكانت الجيوش المنتصرة تستبيح البلدان التي تغزوها، ويكون مصير سكان البلدان المنهزمة القتل والسبي والدمار والتشتت، ويتحول الرجال والنساء والأطفال إلى عبيد لا حقوق لهم، وهذا ما حدث في الحروب بين الحضارات القديمة. فعندما انتصر القائد البابلي (نبوخذ نصر) الذي غزا اليهود في فلسطين، أجبر السكان على النزوح إلى بابل ليعملوا عند أسيادهم من أهل بابل.

لم تقتصر الحروب على الحضارات القديمة فقط، بل تعدى الأمر إلى اقتتال القبائل فيما بينها. فقد شهدت القبائل العربية في شبه جزيرة العرب أيام الجاهلية حروبًا دامية راح ضحيتها خلق كثير كحرب البسوس، وحرب داحس والغبراء التي استمرت زهاء أربعين سنة، وحرب الفجار التي سميت بالفجار؛ لأن القبائل العربية المتحاربة استحلوا جميع المحرمات بما في ذلك الاقتتال في الأشهر الحرم، وأسرفوا في القتل.

وتعد الحروب الصليبية التي استمرت عبر سنوات متقطعة من عام 1096م وحتى عام 1270م أقسى الحروب ضراوة وبشاعة. فقد نجم عنها إزهاق أرواح مئات الآلاف باسم الدين. وجاءت حروب العصور الوسطى التي اكتوت بها أوربا على مدى ألف عام من عام 500م وحتى عام 1500م وراح ضحيتها هي الأخرى مئات الآلاف. فقد بدأت بانهيار الإمبراطورية الرومانية واستمرت حتى عصر ما يعرف بالنهضة والاستكشاف.

هدأت حدة الحروب في عصر النهضة والاستكشاف وهو العصر الذي امتد من القرن الرابع عشر وحتى القرن السابع عشر الميلادي. وشهد عصر النهضة حراكًا ثقافيًا وأدبيًا وفنيًا متنوعًا، وساهم اختراع الطابعة على يدي الألماني جوتنبرغ في عام 1447م في زيادة حركة الكتابة والتأليف.

وتم في عصر النهضة الاكتشافات الجغرافية التي قامت بها بعض دول أوروبا، والتي بسببها تدفقت الثروات من المناطق المكتشفة إلى دول أوربا، وأدى ذلك إلى ما يعرف بوجود حركة استعمار الدول الأمريكيتين وفي دول إفريقيا وآسيا من قبل بعض الدول الأوربية والتي منها بريطانيا، وإسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا والذي استمر بزخمه من القرن التاسع عشر الميلادي وحتى منتصف القرن العشرين. وتميزت الولايات المتحدة الأمريكية بنيلها الاستقلال قبل بقية الدول الأخرى بسنوات أي في عام 1776م، إلا أنها اكتوت بحرب أهلية بين الولايات المتحدة و11 ولاية جنوبية انفصلت عن الاتحاد وذلك في الفترة من 1861م إلى 1865م، بلغ عدد القتلى 800 ألف قتيل.

بلغت الثورة الصناعية في أوروبا أوج ازدهارها في القرن العشرين، وواكب ذلك الازدهار تطور صناعة الأسلحة القتالية المدمرة من طائرات ومدرعات ودبابات، وصواريخ، وسفن وغواصات حربية، الأمر الذي جعل القرن العشرين قرن الحروب بامتياز، بل هو قرن قتل الملايين من البشر بشكل مرعب. ففيه حدثت الحرب العالمية الأولى 1914م-1918م راح ضحيتها من الجنود تسعة ملايين، ومن المدنيين سبعة ملايين.

وبعد مرور قرابة 25 سنة على انتهاء الحرب العالمية الأولى وقعت الحرب العالمية الثانية 1939-1945م، وكانت أكثر فتكًا من نظيرتها الأولى بسبب تقدم وتطور صناعة الأسلحة الفتاكة والتي كان آخرها الوصول إلى صناعة القنابل الذرية مما جعل عدد ضحايا الحرب العالمية الثانية يصل إلى خمسين مليون قتيل على أقل تقدير.

وشهدت منطقتنا العربية حرب تحرير الجزائر ضد المستعمر الفرنسي في الفترة من عام 1954م وحتى عام 1961م راح ضحيتها مليون شهيد. كما شهدت الكثير من مناطق العالم حروب قصيرة، لكنها مدمرة أثناء النصف الثاني من القرن العشرين راح ضحيتها الملايين من البشر، كالحرب الباكستانية الهندية، والحرب الكورية، والحرب الفيتنامية، والحرب بين العرب وإسرائيل، وحرب البوسنة والهرسك، والحرب الأفغانية، والحرب العراقية الإيرانية، واحتلال العراق دولة الكويت وحرب تحرير الكويت.

ودعت البشرية القرن العشرين بفقدها ما لا يقل عن مئة مليون قتيل جراء الحروب. وعدد لا يحصى من الجرحى وفاقدي الأطراف الذين أصبحوا في إعاقة دائمة. وكان الاعتقاد أن القرن الحادي والعشرين سيعم فيه السلام، وإذا بنا نشهد أولى حروب القرن الحالي في منطقتنا العربية بغزو الولايات المتحدة للعراق واحتلال بغداد في عام 2003م وما رافق ذلك الاحتلال من قتل الآلاف من العراقيين. ونال المسلمون في ميانمار ببورما في عامي 2020 و2021م القتل والتنكيل من قبل البوذيين المتعصبين، وفر الآلاف منهم إلى بنغلادش؛ ليعيشوا حياة بؤس وشقاء.

وها نحن نشهد اليوم حربًا تدار رحاها بين روسيا وأكرانيا، تزهق فيها الأرواح في كل يوم، وتقف هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في عجز تام عن إيقاف الحروب وحل النزاعات التي هي السبب الرئيسي في إشعال الحروب.

والسؤال الصعب الذي يطرح نفسه: متى تشهد البشرية في جميع أنحاء العالم وقف الحروب والنزاعات لتتم المحافظة على النفس التي حرم الله قتلها ويعم الأمن والسلام جميع أرجاء المعمورة؟

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية