العدد 5017
الأحد 10 يوليو 2022
banner
مرض اسمه.. “اتصلوا في مدير أعمالي”
الأحد 10 يوليو 2022

الشيء الذي يبعث الحيرة في النفس، وربما قضية يشتغل عليها الفلاسفة، أن كل واحد دخل المجال الفني أو حتى غير الفني باللغة والمنهج، عين له “مدير أعمال” ليكون وسيطا بينه وبين كل من يريد التواصل معه ولو هاتفيا، فحسب تصوره لابد أن يفرض على نفسه قيودا لحماية ذاته، فهو شخصية مرموقة تذكرنا بمسرحية جورج برناردشو ذخر الامبراطورية.
“فشنيستا” لا أحد يعرف عنها أي شيء، وصفر في التوزيع والانتشار، تطالب كل من يتصل بها هاتفيا بالرجوع أولا لمديرة أعمالها بالمرئي والمسموع.. “طيب ليش نتصل في مديرة أعمالك.. انتي معانه على الخط الحين”، لا أعلم، لكن عليكم الاتصال بها أولا. تشعر أنه نوع من المرض والنقص وعذاب دون داع.
ناشط في وسائل التواصل الاجتماعي تحركه عجلة الغرور جعل التحدث مع الناس حتى لو في مكان عام من اختصاص مدير أعماله، وهو يكتفي فقط بالاستماع إلى سيمفونيات بتهوفين وموتسارت، ولا يريد تلويث يده بالسلام على المارة لأنه من أبرز الشخصيات في المجتمع كما يعتقد.
إننا نكشف هذه السلوكيات وننتقدها ونعري مرتكبيها، ليس للسخرية والضحك، إنما لنبين حجم الشقاء والمرض الذي يعيشونه، والعزلة الموحشة التي تستدعي التعاطف معهم، فهناك أسماء لامعة وشهرتها غير عادية لم نسمع منها قط عن مدير أعمال، أو مدير محاسبة، أو حتى مرافق، منهم على سبيل المثال المخرج العبقري الكبير أحمد يعقوب المقلة، الذي بإمكانك أن تتصل له في أي وقت ومناسبة ويرد عليك بكل حب ومودة، حتى لو كان الرقم غريبا. والفنان الراحل علي الغرير محبوب أطفال الخليج، كان يقف في الشارع لساعات تلبية لدعوة الناس لأخذ الصور التذكارية، ولا يوجد مواطن في البحرين أو دول الخليج لا يعرف رقم هاتفه، وهناك قائمة طويلة من المشاهير في مختلف الميادين لم يقتربوا من الفردوس المزور “مدير أعمال”، ولم يترفعوا على الناس ويجعلوا بينهم مسافة بعيدة، لأنهم وبالعبارة المتحمسة أنقياء وأصحاء، وليسوا مرضى.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .