مازالت العواصف الترابية المتعاقبة على العراق تحدث أضراراً بيئية وصحية خطيرة، والمفارقة أن ذلك يحدث في بلد اشتهر تاريخيا باسمين جميلين: “بلاد الرافدين” و”أرض السواد”، الأول لاقترانه بنهري الفرات ودجلة، والثاني لكثرة مساحاته الزراعية الشاسعة، حتى بات ذكر أي من ذينك الاسمين يثير اليوم في النفس لوعة، نظراً للمآل البيئي الكارثي الذي آل إليه العراق؛ بفعل عوامل شتى من بينها “العامل السياسي”، فلا “الرافدين” غدا على وضعهما الطبيعي المعهود تاريخياً؛ جراء انخفاض منسوبهما المائي وتفاقم تلوثهما، ولا “أرض السواد” ظلت ولو على ربع مساحاتها الخضراء التاريخية.
مؤخراً تابعت فيديو في يوتيوب قامت بتنزيله وكالة Step News، ولفت نظري الوصف الكتابي لمضمونه: “العراق لا يستطيع التنفس..”، فتذكرت على الفور العبارة الشهيرة التي أطلقها الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد “لا أستطيع التنفس” أثناء جثوم شرطي أبيض بركبته على رقبته ما أفضى إلى مقتله، ولتتحول عبارة استغاثته إلى شعار واحد من أوسع الاحتجاجات الشعبية في التاريخ الأميركي، لما لتلك العبارة الاستغاثية من دلالة مجازية في التعبير عن خنق حريات التعبير والحقوق المدنية بذرائع واهية، في ظل تغييب المساواة التي تتباهى بها واشنطن على الورق فقط. وبموازاة تلك العواصف الغبارية التي تخنق الشعب العراقي اُبتلي العراقيون بنوع آخر من الزوابع التي تأخذ بخناقهم الاجتماعي والثقافي التي برعت في تفجيرها قوى الإسلام السياسي، إذ ما فتئت تنتهك باسم الدين - والدين منها براء - حق الحريات الشخصية لدى فئات واسعة في العراق المعروف بتعدديته الثقافية والدينية والإثنية بغية فرض ثقافة شمولية دينية واحدة على النسق الإيراني، ولعل آخر حلقة في سلسلة تلك الزوابع ما أثارته تلك القوى من ضجة “تفسيقية” بحق طلبة وطالبات “جامعة بابل” بمدينة الحلة، لقيامهم في حفل التخرج بالتعبير عن مشاعر فرحهم العارمة بالنجاح بالغناء العادي البريء رغم ظهورهم بملابس طلابية عادية محتشمة، وهي محاولة يائسة من تلك القوى لاستثارة مشاعر الناس الدينية بغرض إلهائها عن مطالبها المعيشية والحقوقية التي رفعتها في انتفاضة أكتوبر، ولتغطية إفلاسها السياسي بعد ما ثبت تورطها في الفساد وانكشف عدم كفاءتها في السلطة منذ نحو عشرين عاماً على وجودها فيها.