للسنة الخامسة على التوالي تتبوأ فنلندا المرتبة الأولى في قائمة شعوب الدول الأكثر سعادةً، بينما جاءت السويد في المرتبة السابعة، ومن أبرز مؤشرت التصنيف المتبعة لمرتبة الاستحقاق في القائمة، حسب شبكة التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة: مدى حجم المساحات الخضراء المتوافرة لتقليل التوتر وتعزيز النشاط المدني، وفاعلية وقوة أنظمة الرعاية الصحية والتعليمية، وحجم نصيب الفرد من الناتج المحلي، ومدى تفشي الفساد في الدولة، ومدى ثقة الجمهور في الحكومة، ومدى كرم المجتمع (تبرعات الأثرياء).
تاريخياً عُرف البلدان بنجاحهما في انتهاج مبدأ الحياد خلال الصراعات العسكرية، إن على الساحة الأوروبية أو على الساحة العالمية، ما متعهما بنعمة السلم وجنبهما شرور الحروب، وغني عن القول ان لا سعادة لأي شعب ولا تنمية مستدامة في ظل غياب الاستقرار جراء الحروب أو زيادة الإنفاق العسكري، وكانت السويد معروفة بموقفها المحايد منذ قرنين ونيف، أما فنلندا جارة روسيا التي غدت جزءاً من الامبراطورية الروسية القيصرية لمدة أكثر من قرن، فتاريخها القريب مع روسيا لا يخلو من منعطفات يتخللها توتر، فقد أعلنت استقلالها عنها غداة انتصار ثورة أكتوبر 1917 البلشفية، ومع أن هذه الأخيرة كان بوسعها فرض إلحاقها بروسيا كوريثة للممتلكات والأراضي التابعة لروسيا القيصرية، إلا أنها لم تشأ ذلك واعترفت باستقلالها نهاية العام نفسه
ومنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية قبل نحو ثلاثة شهور ظل البلدان ملتزمين بنهجهما التقليدي المحايد، لكن ولأسباب مريبة - ووراء الأكمة ما وراءها - فجأةً أعلنا رغبتهما الانضمام إلى حلف “الناتو” العسكري الذي يضم في صفوفه دولاً نووية على رأسها الولايات المتحدة، وأتبعا ذلك بطلب الانضمام رسمياً مؤخراً، وهذا الموقف الغريب من شأنه أن يضعهما - عاجلاً أو آجلاً - في دائرة استهداف روسيا النووية لدى أي منعطف خطير غير متوقع في مسار الحرب الراهنة، يأتي ذلك في وقت أحوج ما تكون فيه الحرب المشتعلة على الساحة الأوروبية إلى فريق إطفاء قوي من داخل القارة نفسها لا من خارجها في ظل ندرة الدول المحايدة ذات الوزن. ومن المفارقة أن كلتا الدولتين جديرتان – بوزنهما - تمثيل “فريق الإطفاء” بموقفهما المحايد السابق، لا بموقفهما الجديد الذي هو أشبه بمن يصب الزيت على نيران الحرب المتأججة!.