بعد مرور عشرة أيام على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، بات واضحاً أن روسيا آخذة في الغوص في المستنقع الأوكراني، وأن ورطتها فيه ستتعاظم كلما طال أمد الحرب، وما ذلك إلا لأنها لم تمهد الأرض مسبقاً - بما فيه الكفاية - لخوض مغامرتها على مختلف الجبهات، ما خلا العسكرية، لاسيما الجبهات الداخلية والإعلامية والاقتصادية والدبلوماسية، ناهيك عن غياب دراسات مسبقة للنتائج المحتملة للحرب، والتي من خلالها يتشكل ميزان الربح والخسارة الذي ستجنيه الدولة من خوضها لتقرير الكفة الراجحة لصالحها، بحيث لا يُتخذ قرار الحرب إلا بعد استنفاد كل الوسائل الدبلوماسية والسلمية الممكنة وصولا إلى تحيّن التوقيت المناسب حال فشل الوسائل السلمية.
ويمكن القول إن أهداف روسيا من مغامرتها غلب فيها رئيسها فلاديمير بوتين مطامحه الشخصية على المطالب الأمنية القومية المشروعة لبلاده، وإن تكن هذه ليست بالضرورة تُحل بالقوة العسكرية فيما يموج العالم بأخطر مرحلة تاريخية معاصرة بالغة الحساسية والخطورة والتعقيد.
إن لكل قوة عظمى - مهما بلغ جبروتها - حدوداً ينبغي ألا تتجاوزها وأن تحسب لها بعقلانية بعيداً عن الغطرسة والمطامح الشخصية، فإذا ما تجاوزتها وقعت في محذور يوسع ثغراتها، لتتحول إلى بدايات تآكل تلك القوة، وهذا ما حذرت منه عشرات الدراسات الاستراتيجية الولايات المتحدة طوال العقود الثلاثة الماضية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي تحت عنوان "حدود القوة الأميركية"، وهو ما يصح تماما الآن على روسيا بعد أن استعادت تحت قيادة بوتن جزءاً مهماً من قوتها، لكن ليس على نحو ما كانت عليه خلال الحقبة السوفييتية قبل سنوات انهيارها المتسارع في عهد جورباتشوف، خصوصاً من حيث قوة النفوذ الدولي والقوة العسكرية، ولقد كشفت العشرة أيام الماضية من الحرب ثغرات خطيرة في استعدادات روسيا للمعركة، وبرزت على وجه الخصوص في مجالات متعددة، أهمها مجال الجبهة الداخلية والحاجة لتحصينها، والمجال الاقتصادي من حيث تقدير الخسائر المتوقعة سواء جراء تكاليف المعركة العسكرية لاسيما إذا ما طال أمدها، أو من العقوبات الاقتصادية الغربية، والمجال الإعلامي باعتباره أهم مجالات خوض الحرب النفسية ضد العدو، وأخيراً المجال الدولي والدبلوماسي، من حيث التحضير المسبق لكسب أكبر تأييد دولي ودبلوماسي ممكن.
ويمكن القول إن أبرز ثغرات الجانب الروسي تتلخص فيما يلي:
ويمكننا الاستنتاج بأن حساسية القيادات السوفييتية المتعاقبة لعواقب الحروب في ضوء دروس ما تكبدته في الحرب العالمية الثانية من دمار هائل وملايين القتلى - حيث كانت الدولة الأكثر تضرراً في الحرب - هو أكبر من حساسية وعقلانية من القيادة الروسية الحالية المتمثلة في بوتين.
وينسب أناتولي جروميكو (نجل وزير الخارجية السوفييتي الأشهر والأطول مدة في منصبه) باعتزاز إلى أبيه هذه المقولة: "أن تنفق عشر سنوات في المفاوضات أفضل من أن تخوض حرباً ولو ليوم واحد".