العدد 4862
السبت 05 فبراير 2022
banner
ما وراء الحقيقة د. طارق آل شيخان الشمري
د. طارق آل شيخان الشمري
النظرية السياسية الفرنسية
السبت 05 فبراير 2022

كما أسلفنا سابقا، فإن الدول الكبرى - خصوصا الأعضاء الدائمون بمجلس الأمن - لديها هدف أساسي تسعى لتحقيقه، وهو الهيمنة والسيطرة على الدول الأخرى، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وتتفاوت طرق السيطرة هذه وفقا للنظرية السياسية لكل دولة، فالصين تستخدم أسلوب التعاون الاقتصادي مع الدول، وروسيا تستخدم كلا من أسلوب التعاون الاقتصادي الصيني والأسلوب العسكري، إذا ما دعت الحاجة طبعا كما حدث في أفغانستان وسوريا، وقد يحدث في أوكرانيا إذا ما ساءت الأمور. أما النظرية السياسية الأميركية فتعتمد على القوة العسكرية غير المباشرة من خلال انتظار وقوع الحدث وتطوره، ومن ثم تقوم بعملية إطفاء حريق هذا البلد كما حدث في أفغانستان والعراق، أما النظرية البريطانية فهي لا تضع بيضها في سلة واحدة ولا تكون بالواجهة، بل تدير العمل بشكل غير مباشر وتدع الآخرين يتحملون الكلفة إذا ما وقعت، كما حدث في أفغانستان حيث دفع الديمقراطيون الثمن بانسحابهم من كابول بينما لم يصب لندن أي مكروه، والنظريتان الأخيرتان يمكن جمعهما تحت اسم النظرية الأنجلوسكسونية السياسية.
أما النظرية السياسية الفرنسية فجل اهتمامها يتركز على استمرار وجود فرنسا كدولة كبرى، في ظل صعود دول وقوى جديدة على الساحة الدولية قد تزيح فرنسا من منصة الدول العظمى، فباريس لا تمتلك القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية كما هو الحال مع بكين وموسكو وواشنطن، وفرنسا لا تنتمي للأنجلوسكسونية مثل بريطانيا وأميركا، ولا للعرقية السلافية الروسية التي تعطيها قوة أكبر، كما هو الحال مع دول أوروبا الشرقية، لذلك فهي واقعيا وحيدة، ولهذا فإن الأسلوب الذي يمكن لباريس استخدامه هو فقط أسلوب التعاون الاقتصادي الصيني، وحتى عضوية باريس بالاتحاد الأوروبي والناتو والفرانكفونية، وحتى التدخلات العسكرية الفرنسية في مالي وبعض الدول الأفريقية، فإنه لا يوفر لها مظلة سياسية أو عسكرية تستطيع معها تحقيق مصلحتها.
وعليه فإن فرنسا ليس لديها إلا أسلوب التعاون الاقتصادي للاستمرار كدولة عظمى، واستغلال الفرص لترسيخ علاقاتها مع الدول التي قد تتخذ موقفا ضد لندن وموسكو وبكين وواشنطن.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .