تحل اليوم الذكرى المئة وعشر سنوات على مولد عميد الرواية العربية نجيب محفوظ، الفائز بجائزة نوبل 1988، ففي ليلة رعداء ممطرة من فجر الحادي عشر من ديسمبر 1911 بحي الجمالية في القاهرة القديمة حضر المخاض والدته الأمية السيدة فاطمة قشيشة؛ ابنة أحد مشايخ الأزهر، وكانت عملية توليد والدته على يد قابلة شعبية بدت لها عسيرة للغاية بما يهدد حياة الأم وجنينها، ما اضطرها لنصيحة زوجها عبدالعزيز إبراهيم الموظف الحكومي الاستعانة بطبيب أمراض النساء والولادة الأشهر حينذاك الدكتور نجيب ميخائيل محفوظ، فأخذ بنصيحتها مضطراً على خلاف التقليد السائد في البيئات الشعبية التي تحرّم إجراء عمليات الولادة على أيدي الرجال، وهكذا أجرى الطبيب المتمرس محفوظ العملية متكللة بالنجاح التام، وهو ما أسعد الوالد أيما سعادة بنجاة زوجته ومولودها، فقرر عندها تسمية مولوده الجديد “نجيب محفوظ” تيمناً باسم الطبيب الذي أجرى العملية.
وفي زمن جميل مجتمعه متسامح بفطرته الإنسانية، لم يخطر ببال أب المولود البتة الوقوف عند مدلول اسم الطبيب الشائع حينذاك بصيغته المركبة لدى الطائفة القبطية، ومثلما كانت الأم تحرص على زيارة جامع وضريح الإمام الحسين؛ فقد اعتادت أيضاً زيارة الكنائس والأديرة المسيحية مصطحبةً ابنها نجيب في صباه معها، وهو ما شكل جزءاً رئيسيا من تكوينه الثقافي حيث جُبل في تنشئته على تلك التربية الشعبية الدينية المتسامحة، ولولا الاسم الذي اختاره الأب لابنه لما ولج روائينا الكبير محفوظ عالم الرواية، إذ كان طموحه في الأصل دراسة الفلسفة، ولاحت الفرصة له مطلع الثلاثينيات إثر ترشيحه لبعثة من عشرة خريجين جامعيين لدراسة الفرنسية في فرنسا، وكان ينبغي أن تتضمن اثنين من الأقلية المسيحية، لكنه صُدم لاستبعاد اسمه من القائمة: “اكتشفتُ أن إدارة البعثات اشتبهت في اسمي وظنت أنني قبطي، وبما أن هناك اثنين من الأقباط.. فقد رفعوا اسمي منها اكتفاء بهما”، ومن محاسن الصُدف أن افتتح قبل نحو عامين متحفا نجيب محفوظ الطبيب في مستشفى القصر العيني ونجيب محفوظ الروائي في “تكية أبوالذهب” بجوار الأزهر قرب الجمالية.