من المفارقات الصارخة في الدعوة التي وجهتها واشنطن إلى مئة وعشر دول فقط من الأسرة الدولية للمشاركة في “القمة الديمقراطية العالمية الافتراضية” التي ستعقد بعد أيام برعايتها، أنها تأتي بالتزامن مع تقرير صدر بعنوان “الحالة العالمية للديمقراطية 2021” عن “المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية” التابع لحكومة السويد، ذلك أن التقرير إذ صنّف دول العالم إلى ثلاث مجموعات: الأولى ذات الأنظمة الديمقراطية، والثانية ذات الأنظمة الهجينة (نصف ديمقراطية ونصف استبدادية)، والثالثة ذات الأنظمة الاستبدادية، فإنه نعت الدولة الراعية للقمة بأنها من الدول الديمقراطية التي تعاني من التآكل والتدهور في احترام قيمها الديمقراطية، وإذ استبعدت واشنطن كل دول المنطقة، ما خلا “إسرائيل” والعراق، فإنه إذا ما طبقنا تصنيف المعهد السويدي لأنظمة العالم سنجد أن قائمة الدول المدعوة لا تقتصر على الديمقراطيات العريقة فقط، بل وتشمل الأنظمة الهجينة والاستبدادية! وبالتالي فإذا ما وضعنا جدلاً “إسرائيل” والعراق ضمن الأنظمة “الهجينة” وفق تصنيف المعهد السويدي، فإنه لا أحد يفهم استبعاد واشنطن دولا حليفة لها من المنطقة تندرج ضمن التصنيف نفسه على الأقل، ويعترف التقرير بأن من ضمن دول الديمقراطيات المتراجعة دولاً في الاتحاد الأوروبي الذي يضم دولاً غربية حليفة للولايات المتحدة أيضاً، وأن أكثر من ثلثي سكان العالم باتوا يعيشون تحت وطأة ديمقراطيات متراجعة أو استبدادية، وأن هذه الأخيرة ازدادت معدلات إجراءاتها القمعية في السنوات الأخيرة، كما استغلت هي والديمقراطيات المتراجعة جائحة كورونا لتبرير القيود على الحريات العامة. 
مما لا شك فيه أن تنظيم قمة دولية حول قضايا الديمقراطية في العالم هي فكرة نبيلة ملحة وبالغة الأهمية، هذا لو كانت واشنطن جادة حقاً في الإسهام في معالجة هذه القضية الحيوية العالمية، ولجعلت مسؤولية عقده تحت إشراف المنظمة الأممية التي تجمع كل دول العالم، ولما تفردت بتنظيمه مستبعدة دولاً عديدة من بينها دول كبرى، كالصين وروسيا، باعتبار الديمقراطية قضية عالمية، ناهيك أن واشنطن نفسها تتحمل مسؤولية أخلاقية عالمية لتردي الأوضاع الديمقراطية في الكثير من دول العالم جراء حمايتها الأنظمة المستبدة وعرقلة التطور الديمقراطي فيها.