العدد 4764
السبت 30 أكتوبر 2021
banner
طه حسين والقضاء المصري
السبت 30 أكتوبر 2021

قبل يومين مرت الذكرى الثامنة والأربعون لرحيل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وبعد عامين تحتفل مصر والدول العربية بمرور نصف قرن على هذا الحدث الجلل لما يمثل غيابه من فراغ كبير مازال شاغراً على الساحتين الفكرية والأدبية، فما أحوجنا في عصرنا الراهن إلى قامات شجاعة كقامته، حيث نواجه ارتداداً ظلامياً متعاظماً غير مسبوق في التاريخ العربي الحديث منذ بزوغ عصر رواد النهضة العربية خلال القرن التاسع عشر، وإن كانت شخصية طه حسين تمثل بحق قامة استثنائية فاقت في جرأتها الفكرية جرأة كل أولائك الروّاد؛ خصوصاً بالنظر لما فجّره من آراء جريئة في كتابه الشهير “في الشعر الجاهلي” الصادر في 1926 والذي شكك فيه - تبعاً لأحد المناهج العلمية التي تبناها في دراسته ألا هو منهج ديكارت - في صحته ونعته بالمنحول في عصر التدوين، وأن أسلوبه الفني البلاغي يتسق مع تطور الشعر العربي بعد الإسلام وليس قبله، وهو ما أثار بشدة سخط أساطين المؤسسة الدينية التي كان ينتمي إليها وتكفيرها إياه، حيث شُنت عليه حرب شعواء متعددة الجبهات، إعلامية وسياسية ودينية، ناهيك عن الجبهة القضائية وهي الأخطر، وذلك من خلال رفع دعاوى تتهمه بإهانة الإسلام، لكنه بفضل تسلحه بسلاح العلم والعقل المستنير، وكذلك بفضل ما كان يتمتع به القضاء المصري من نزاهة واستقلالية تمكن من الخروج من هذه المعركة منتصراً، حيث لم تكن جريمته في الكتاب سوى أنه مارس حقه المشروع الذي كفله له الدستور في حرية التعبير.


ولئن شكّل كتابه آنف الذكر قفزة كبيرة بحساب القرون في تطور الفكر العربي، فإن نص قرار رئيس النيابة محمد نور الصادر في 30 مارس 1927 الذي أمر بحفظ ملف القضية، سطّر بدوره بأحرف من نور صفحة مجيدة من صفحات تاريخ القضاء المصري المستقل؛ لما قدمه من حجج عقلانية مستنيرة قوية في الدفاع عن المتهم طه حسين وتنزيه نواياه مما اُتهم به طعناً في إيمانه، وهو ما يُحسب بلا شك للنظام الملكي السابق، أيا كان اختلاف الرأي في نموذجه الديمقراطي.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .