العدد 4757
السبت 23 أكتوبر 2021
banner
إميل يعقوب وتيسير العربية
السبت 23 أكتوبر 2021

الصديق والأستاذ اللغوي الكبير الدكتور إميل يعقوب حائز على شهادتي دكتوراه من جامعة القديس يوسف والجامعة اللبنانية، وكلتاهما في موضوع التيسير اللغوي، الأولى بعنوان "آراء أنيس فريحة في تبسيط اللغة"، والثانية بعنوان "الممنوع من الصرف ومذاهب النحاة والواقع اللغوي"، والرجل نذر نفسه لتكريس حياته العلمية لهذه الغاية، وهو إلى ذلك يشرف على رسائل طلبة الماجستير والدكتوراه في موضوعات اللغة المختلفة ويُحكّم فيها، كما له مؤلفات عديدة تتميز بالجرأة في الخروج على المألوف السائد المسيّد في قواعد العربية منذ ألف عام ونيّف، والذي ما فتئ يتمسك به المحافظون في مجامع لغتنا، كما له صولات وجولات من المناظرات والمجادلات القوية المُفحمة مع مجمع اللغة العربية لا يقنط من ملاحقته حول حتمية إصلاح اللغة لتوائم مقتضيات تطور عصرنا - كسائر لغات الأمم الحية - ومن ثم انتشالها من براثن الجمود المزمن التي هي عليها، وبما يجعل قواعدها ميسرة محببة لدى الناشئين وعامة الطلبة الناطقين بها، ولتجري على ألسنة كتّابها ومثقفيها وأدبائها بسلاسة كسائر أدباء ومثقفي العالم دون أن يتملك نفوس غالبيتهم العظمى الوجل من مزالق وقوعهم في أخطاء لغوية أو اللحن أثناء الخطابة والكلام. 
وقبل تعرفي عليه كنت قد اقتنيت في التسعينيات مجموعة من مؤلفاته، إلا أنه حينما استضافني قبل بضع سنوات في ضيعته الهادئة الجميلة في الشمال اللبناني "كفر عقا"- الكورة، شرفني بإهدائي مجموعة جديدة قيّمة من مؤلفاته الأخيرة، وكان من بينها مؤلفات علمية في غاية الأهمية وذات عناوين مثيرة جاذبة تعكس استصراخه المكتوم بألم من تجاهل مجمع اللغة العربية رسائله العديدة ونداءاته المتكررة للالتفات إلى مقترحاته، ولو على الأقل من باب الرد عليها ومقارعة الحجة بالحجة أو قبول ما يمكن قبوله منها، ومن أبرز هذه العناوين: "يا مجمع اللغة العربية أجلس الهمزة وأوقف الألف" و"يا مجمع اللغة العربية أرحنا من حركات الإعراب"، وكلاهما صدر عن المؤسسة الحديثة للكتاب ببيروت. 
وفي مساء يوم من أوائل الشهر الجاري دعاني هذا العالم والمجدد اللغوي الجليل يعقوب لمتابعة مقابلة معه في "الميادين" حيث قدّم لها مُعد البرنامج الاستاذ غسان الشامي بالكلام التالي: "ماذا فعلنا باللغة العربية بعد أن فعلت عصور الجهل بها تهشيماً وتكسيراً؟ هذه اللغة التي يلحن بها أغلب أهلها، ويحطم قواعدها طلابها، ويخطئ في الإملاء تلامذتها، حتى باتت الهمزة اُحجية، وتغيب عن الوعي مجامعها اللغوية، وتختفي في الأرفف معاجمها، ويتأتئ الإعلام بأبجديتها، حتى علت أصوات تقول إنها ذاهبة لتصبح لغة ميتة"، والحال أن المتأمل جيداً في مقدمة مقدم البرنامج، وكذلك في الأسئلة التي وجهها بعدئذ إلى يعقوب يُخيّل إليه كما لو أنها بدت معاكسة لمنهج ضيف الحلقة في تيسير النحو والإصلاح اللغوي، وهذا ما بدا من استنكاره من لحن أغلب أهل اللغة بها، وأن طلابها على حد تعبيره يحطمون قواعدها، وأن تلامذتها يخطئون في الإملاء، حتى باتت الهمزة اُحجية. في حين أن كتابي يعقوب المشار إليهما آنفاً واللذين أحضرهما الشامي معه في الاستوديو يعالجان جزءاً مهما من معظم تلك المعضلات اللغوية والنحوية التي عرضها مشرف الحلقة في مقدمته وفي تساؤلاته للضيف، ناهيك عن مؤلفاته العديدة الأخرى. 
وإذ باتت الهمزة "اُحجية" كما أجاد الشامي في وصفها، فإنه ما كان لها أن تبدو كذلك ومنذ أمد بعيد ويكتب فيها بتباه قدماء أئمة اللغة وجهابذة أساتذتها في عصرنا المؤلفات الكثيرة، ويجهدون في شرح أحوال رسمها لو تم تدارس مقترحات يعقوب حولها وغيره من ندرة من المجددين اللغويين الكبار مدارسةً علمية موضوعية وبقلب وعقل مفتوحين من قِبل مجامع اللغة، ومنها دراسته الموسومة "يا مجمع اللغة العربية أجلس الهمزة وأوقف الألف"، ولنا عودة تفصيلية - إن شاء الله - لهذا الموضوع خلال 

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية