العدد 4743
السبت 09 أكتوبر 2021
banner
أدوات الحرب النفسية الجديدة
السبت 09 أكتوبر 2021

لم تعد ميادين الحروب النفسية اليوم بين الدول والقوى المتنازعة مقتصرة على وسائل الإعلام الجماهيرية التقليدية - كالإذاعة والتلفزيون والصحافة - بل باتت تمتد اليوم إلى ميادين أخطر من السابق، لتشمل وسائط التواصل الاجتماعي، ولئن كان بمقدور دول العالم الثالث الشمولية، صد دعاية الخصم عبر تلك الوسائل التقليدية بدعاية مضادة، أو بالتشويش فضائياً على واحدة من تلك الوسائل أو كلها مجتمعةً، أو بحظر دخول صحافته وكتبه، فإن دعاية العدو بات بإمكانها اليوم؛ بفضل الثورة المعلوماتية وفي مقدمتها “السوشال ميديا” أن تدخل بسهولة بلا رقيب إلى كل بيت من بيوت مجتمع الخصم، دون أن تتمكن الدولة المستهدفة من حظرها، بل وأن يسرب صحافته وكتبه من خلالها. اليوم تخوض الدول والقوى والأحزاب حروباً نفسية شرسة ميدانها “السوشال ميديا” للسيطرة على العقول بما يلائم مصالحها وأجنداتها، أو لضعضعة ثقة الخصم بقواه الذاتية توطئة لشلها أو السيطرة عليها، وبهذا فإن الحروب النفسية كثيراً ما تفضي لنشوب الحروب العسكرية أو ممهدة لها.

وثمة وجه آخر للدعاية لا يقل خطورةً عن ذلك، ويتمثل تحديداً في أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت تتيح لموجّه الدعاية إمكانيات فنية هائلة، ليس فقط في التلاعب بالحقائق بصورة بارعة محكمة الإتقان، بل وصناعة الأكاذيب بصورة مذهلة لتبدو حقائق مسلما بها تنطلي ليس على أوسع شريحة من المواطنين العاديين فحسب، بل وعلى أنصاف المثقفين، بل وحتى نسبة معتبرة من كبار المثقفين، وهذا ما لمسته شخصياً من متابعة طويلة لوسائط التواصل الاجتماعي، لاسيما في تطبيق “الواتساب”، وهذا الميدان لا يقتصر الصراع الدعائي فيه على الأفراد والقوى السياسية والدينية، بل باتت تقتحمه الدول والشركات متضاربة المصالح، ومن صور دعاياتها: فبركة الفيديوهات وعناوين الصحف والمقالات والرسائل الحكومية المزورة التي يُزعم تسريبها، والتصريحات والأحاديث لزعماء وشخصيات قيادية، وإذ جهدتُ في التنبيه على العديد من الأصدقاء والمعارف بزيف كثرة من نماذجها المخاتلة، اتضحت لي عبثية ما أقوم به، لما يستنزفه مني من وقت وجهد، فمالم يتمتع المتلقي بوعي ذاتي معمق ويقظة كبيرة فإنه سيقع حتماً في شراكها!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .