العدد 4731
الإثنين 27 سبتمبر 2021
banner
عمود أكاديمي د. باقر النجار
د. باقر النجار
الديمقراطية في يومها العالمي
الإثنين 27 سبتمبر 2021

احتفل العالم يوم الثلاثاء ما قبل الماضي، أي في الرابع عشر من سبتمبر الحالي، باليوم العالمي للديمقراطية. وهو يوم قد خصص كنوع من المراجعة لتجارب الدول في العمل الديمقراطي. من حيث موقعها من تجارب العالم المتقدم ومن حيث الظروف التي تمر بها. فمثلاً سيطرة طالبان على السلطة في نهاية شهر أغسطس الماضي في أفغانستان أنهى تجربتها الوليدة في الديمقراطية.... ونبدأ مقالنا بالتأكيد على حقيقة أن الديمقراطية أو بالأحرى الممارسة الديمقراطية لا تُخلَق مع الأفراد، كما أنها لا تنزل عليهم من السماء ولا تتشكّل في الناس سريعًا. وإنما هي جزء من الثقافة تتكون مع الناس وبالناس عبر الزمن وعبر قنوات ومؤسسات متعدده، بعضها يأخذ الطابع الرسمي كالمدرسة والجامعة والمؤسسات الإعلامية والثقافية السياسية الرسمية كالمعاهد والمراكز البحثية والتدريبية السياسية والإعلام الرسمي.. وغيرها، وبعضها الآخر يتم عبر مؤسسات غير رسمية كالأسرة وجماعة الحي والأصدقاء ولربما يشمل ذلك أيضًا تلك المؤسسات والمنظمات النقابية التي من خلالها يتدرب الفرد على العمل الانتخابي والدخول في أشكال منظمة من التنافس والصراع الانتخابي..... وغيرها. كما أنها تجارب تحكمها ظروف الداخل ومتغيرات الخارج.. وهي ظروف قد تدفع ببعض التجارب نحو التطور كما أنها قد تؤثر في قدرة تجارب أخرى على تحقيق أي تطور مهم في فعلها السياسي وعملها المؤسسي.

وعند الحديث عن الديمقراطية في المجتمعات النامية والمنطقة العربية وجل دول العالم الثالث في عمومها تقع تحت هذه المجموعة، فإنها تحتاج أولًا لإرادة سياسية راغبة وقادرة على الولوج في العملية الديمقراطية، وهي في الحالة البحرينية قد جاءت بإرادة سياسية داعمة من لدن جلالة ملك البلاد حمد بن عيسى آل خليفة. كما أنها وتحديدًا في المجتمعات ذات الخبرة الحديثة بالعملية الديمقراطية، تحتاج ثانيًا: لقدر ولربما أحيانًا لقدر كبير من القدرة على تجاوز معوقاتها، فالتجربة الديمقراطية البحرينية قد استمرت خلال العقدين الماضيين بفضل تلك الرعاية الخاصة التي أولها جلالة ملك البلاد لهذه التجرية الديمقراطية.. وقد استطاع جلالته العبور بالتجربة عبر الزمن والظروف للحالة المستقرة والثابتة التي وصلت إليها... فقد كان جلالته داعمًا لها في كل منعطفاتها التي مرّت بها...

وأعتقد إننا مع دخولنا العقد الثالث لتجربتنا الديمقراطية، فإنه قد لا تكفي الرعاية الرسمية وحدها في تقويم التجربة والارتقاء بممارساتها، بقدر ما هي كذلك بحاجة لنوع من التأصيل المجتمعي للديمقراطية كثقافة في سلوك الناس وممارساتهم الحياتية. فالتأكيد على قيمة القبول بالآخر والتسامح وتأكيد مبدأ المساواة والعدالة في ثقافة البيت والمدرسة والحي والمدينة والمنظمات التي نطرقها وننخرط في أنشطتها هي من أهم أدوات تعزيز ثقافة الديمقراطية.. وهي من الناحية الأخرى قيم ومفاهيم تحتاج دائمًا لنماذج لتأكيدها. وهو ما يساعد على تشييد ثقافة حامية للديمقراطية في بنائنا الاجتماعي والثقافي.

ومن المهم الإشارة إلى أن الديمقراطية في ممارساتها وفي بنائها المؤسسي، بشكل عام، قد تواجه قدرًا من الممانعة من أنماط ثقافية أو مؤسساتية قائمة. والتي قد تجد في الممارسة الديمقراطية ومؤسساتها تهديدًا لها أو إضعاف لقدرتها بالتأثيرعلى قطاعها السكاني. أو أن تأتي هذه الممانعة إذا ما كانت نتائجها في غير من ترغب أو ترجى من الجماعات أو الفئات المتضررة من العملية الديمقراطية...

وفيما يتعلق بالمشاركة الشعبية، فإنه إذًا ما القصد منها حجم المشاركة في العملية الانتخابية.. فإنها تمثل الفعل السياسي الذي يعكس درجة من الوعي السياسي كما أنها تقود إذا ما اتسع حجمها إلى إحداث تغيرات سياسية مهمة على صعيد العملية السياسية.. وهي تمثل إذا ما ارتفع حجم المشاركة فيها محاولة، من بعض قوى المجتمع غير الرسمية، لحماية التجربة أو منع انزلاقها نحو المجهول أو أن تصل مؤسساتها لقوى غير مضمونة السلوك والتوجهات.. وهو فعل لاحظنا تأثيره في الكثير من التجارب الديمقراطية الأوربية.. فاندفاعة الناخب الفرنسي مثلاً نحو المشاركة الكثيفة في الجولة الثانية من الانتخابات الفرنسية الأخيرة، عكست ما يمكن تسميته “بالمناعة الثقافية”. فالخوف من وصول اليمين المتطرف الفرنسي للحكم دفع بقطاعات واسعة من السكان نحو الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات.... وهو ذات الفعل الذي يكون قد أطاح بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من كرسي الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية. وهو بشكل عام، فعل يعكس درجة عالية من الوعي السياسي، كما أنه يعكس من الناحية الأخرى قدرة المشاركة الشعبية الواسعة على إحداث تغيرات سياسية مهمة في المجتمع أو منع وصول قوى متطرفة تطيح بالعملية السياسية برمتها أو أن توظفها لأهدافها السياسية الفئوية.. كما أنه يعكس أخيرًا قدرًا من الحيوية السياسية لا تتمتع بها الكثير من المجتمعات.

وخلاصة القول أن التجارب الديمقراطية قد تتفاوت من مجتمع لآخر، فالسياقات الثقافية والاجتماعية ولربما أحيانًا الجيو-سياسية تحكم كثيرًا من التجارب الديمقراطية الإقليمية في العالم.... كما أنها لا يمكن أن تتأصّل في ممارساتها ولربما مؤسساتها إلا عبر الممارسة العملية وعبر التأصيل المجتمعي العام لثقافة الديمقراطية. وعمل يحتاج لقدر من الصبر ولفسحة زمنية قد تطول.. فالكثير من السياقات الثقافية ولربما الاجتماعية والدينية أحيانًا قد تبطّئ من تطور الكثير من التجارب حول العالم ولربما قد تطيح بها أو أنها قد تفرغها من مضامينها الأساسية. ولربما تشرح كتابات أستيفن ليفتيسكي Steven Levitsky

أستاذ العلوم السياسية بكلية الدراسات الحكومية بجامعة هارفرد، والمتخصص في دراسات شرق أوربا، كيف أنتجت تجارب أوروبا الشرقية في الديمقراطية نماذج جديدة جمعت بين تسلطية النظم الشمولية الاشتراكية والعملية الانتخابية، أو ما أسماها “بانتخابات دون ديمقراطية”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية