العدد 4698
الأربعاء 25 أغسطس 2021
banner
من ينقذ عالمنا المعاصر؟
الأربعاء 25 أغسطس 2021

يعن للقارئ المحقق والمدقق لتطورات الأحداث على المستوى الدولي أن يتساءل عن حالة الفوضى التي تلم بعالمنا المعاصر، سياسيا واقتصاديا، أمنيا وعسكريا، بيولوجيا وإيكولوجيا، والعديد من مناحي الحياة. ولعله من المؤكد أن ما جرى في شرق آسيا الأيام القليلة الفائتة، وبالتحديد في أفغانستان، من انسحاب أميركي بعد حضور دام نحو عقدين من الزمن، يعد زلزالا كبيرا سوف تستتبعه ردات كبيرة في المدى الزمني القريب والمتوسط.

تأتي هذه الأحداث المتسارعة والعالم يقترب من الذكرى العشرين لأكبر هجوم إرهابي جرت به المقادير في النصف الثاني من القرن العشرين، وفي الأفق علامة استفهام عن نجاعة حرب طويلة على الإرهاب، من عند القاعدة، ثم طالبان، وصولا إلى داعش، وبقية الجماعات الراديكالية التي تؤمن بالعنف كوسيلة للتواصل، والتي لا دالة لها على إعمال العقل في النقل، كما كان يقول الفلاسفة من قبل.

ذات مرة تحدث الكاتب والأديب، بل المفكر النيجيري الشهير، وولي سوينكا، عن منظر بشريتنا الآنية، وقد ذهب إلى أنها أضحت جماعة من المتعصبين يتلقون فكر التشدد والتطرف من روافد مختلفة، بعضها آيديولوجي منحول، وكثير منها ديني لا صلة له بصحيح الإيمان. هذا هو ما تتشكى الأسرة الإنسانية منه، أصوليات في الشرق، منبتة الصلة بالجذور التنويرية للأديان التي نزلت مشرقية، وقوميات وشوفينيات، بل عنصريات تعيد سيرة النصف الأول من القرن العشرين في الغرب، وقد يفصل بينها التاريخ والظروف المناخية، لكنها تلتقي في نفس المصب، أي موقع التيقن المطلق الذي لا يناقش، ويدفعها دافع يسمح لكل شخص بأن يعلن نقاء ذاته ونصوع بياضها في مجتمع فاسد ملوث.

عالمنا المعاصر بات محاصرا بين إشكاليتين، الأولى عبر عنها، أدموند بيرك، الفيلسوف الإيرلندي، من أعمال القرن الثامن عشر، بمقولة: "نحن محكومون بالموتى"، وهنا جماعة متكلسة، لا يؤمنون بالإبداع، إنما يقدسون الاتباع، هؤلاء ينسحبون إلى عالم الموتى وإن كانوا على صعيد الحياة. الإشكالية الثانية موصولة بفكرة امتلاك الحقيقة المطلقة، والتي كانت وراء نشوء وارتقاء أفكار شمولية من نوعية الرايخ الثالث الذي حلم أصحابه بالبقاء ألف عام، وعلى دروبه أيضا سارت جماعات إسلاموية وانتهجت نفس النهج، بل وصل الأمر بمفكر كبير من نوعية، فرانسيس فوكاياما، أن يعمل على مصادرة التاريخ، من خلال القول إن الرأسمالية هي نهاية التاريخ.

كارثة زماننا كما وصفها، سوينكا، تتمثل في غياب القدرة على الشك بالنفس، ما يجعل اليقين المطلق يولد إحساسا، ولو زائفا في حقيقته، بالتفوق والسيطرة والهيمنة، وهو ما تتسم به مواقف المتطرفين، سواء كانوا آيديولوجيين أو دوجمائيين، وهو ما يسمح لهم باقتراف أفعال عنيفة ضد المجتمعات التي يحتقرونها وكلهم صلف وغرور.

زلزال أفغانستان في حقيقة الحال أزمة كبيرة، غير أنه لو قدر للعالم، وبالتحديد عالمنا العربي، قراءة الكلمة بأعين الفلسفة الصينية فربما يكون هناك مخرج خلاق، ذلك أنها تعني الفرصة أو الخطر، الفرصة للنجاة والخطر بسبب الهاوية.. فانظر ماذا ترى؟.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .