العدد 4586
الأربعاء 05 مايو 2021
banner
الدين المعاملة
الأربعاء 05 مايو 2021

استوقفني خبر مقتضب جدًا تداولته وكالات الأنباء والصحف، لكنني اعتبرته عبرة وليس خبرًا صحافيًا، وأجزم أنه يستحق أن يكون من أروع الأخبار لهذا العام! يقول الخبر إنه وضمن مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز وبالتحديد مباراة ليستر سيتي وكريستال سيتي، أوقف الحكم المباراة في الدقيقة ٣٤ من الشوط الأول الذي تزامن مع توقيت أذان المغرب، وذلك ليتمكن لاعب فرنسي مسلم ضمن صفوف فريق ليستر سيتي من تناول شرب الماء والعصائر! هذا اللاعب الفرنسي عبر بعد نهاية المباراة في تغريدة بحسابه في تويتر عن بالغ شكره لرابطة الدوري الإنجليزي وفريقه والجميع وذلك للسماح له بتناول الإفطار في منتصف المباراة، مؤكدًا أن ذلك يثبت جليًا روعة كرة القدم.
بصراحة شديدة هذا الموقف الرائع لا يجب أن يمر مرور الكرام، بل يجب أن يدرس من وجهة نظري، لنؤكد المستوى الراقي لحكم المباراة الذي بالتأكيد لم يتصرف من نفسه، بل بالتنسيق مع المسؤولين في لجنة الحكام، ولا شك بأن هذه المواقف النبيلة هي ما تنادي بها أدياننا السماوية كلها، وما يؤكد لبعض الأشخاص المتحجرين أن الدين معاملة وأخلاق وحب ومبادئ وقيم.. والقائمة تطول، حيث من الواجب علينا احترام جميع الأديان والمذاهب والطوائف، وعلينا أن نقر بأنه إذا وُجِد الاختلاف في المجتمعات البشرية فينبغي أن يكون ذلك من الظواهر الطبيعيّة، ولا ينبغي لفئة التغول على فئة أخرى لأن ذلك يُوجِد العداوة والبغضاء في المجتمع ويثير النعرات الطائفية بين أفراده، بل ينبغي أن يكون ذلك الاختلاف سبيلاً للتعارف والتواد والتراحم بين أطياف المجتمع الواحد، والسعي لإيجاد المصالح المشتركة بينهم، قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، فقد أشار الله سبحانه وتعالى في الآية السابقة إلى أنه لا مجال للتفاضل بين الناس إلا على أساس التقوى والقرب من الله - عز وجل - ومدى تطبيق شرائعه والالتزام بما جاءت به الرسل عن الله، قال تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ). أما من لم ينتسب إلى الإسلام من الأديان الأخرى التي جاءت من عند الله قبل مجيء الإسلام، فإن القرآن الكريم لم ينظر إليهم بانتقاص، أو أنهم ليسوا بشراً، وأنه لا يحق لهم ما يحق للمسلمين؛ بل نظر إليهم نظرة تسامحٍ ولين، ولا ينبغي على المسلم تجاه من خالف الاعتقاد من غير المسلمين إلا دعوتهم إلى الله على سبيل النصح. فدعونا نتعظ من هذه القصص والمواقف الملهمة التي تجسد القيم الإنسانية والأخلاقية لجميع الأديان والثقافات والأعراق، دعونا نطلق رسائل حب وخير من خلال أئمة المساجد والمآتم لنشر قيم الدين الإسلامي الحنيف الذي ينادينا إلى حب الجميع والدعوة لهم بالخير والصحة والسعادة كما ندعوا لأنفسنا، دعوة لغرس المحبة والاحترام وعمل الخير في صفوف أبنائنا وبناتنا.
دعونا نقر بأن البعض كان مخطئا وأسهم في خلق أجيال يملأ الحقد قلوبها على معتنقي الديانات السماوية الأخرى، وكما يقولون "الاعتراف بالخطأ فضيلة"، قولٌ يدلّ على الشَّجاعة في الاعتراف بالخطأ، والأهمّ، التراجع عن تكراره، وبالتّالي التنبُّه إلى مسألة الوعي في التّعامل مع كلّ الأحداث والقضايا التي يتعرَّض لها المرء في شتّى مناحي حياته. والله من وراء القصد.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .