العدد 4583
الأحد 02 مايو 2021
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
كيف نحوِّل النزف إلى عزف والإثارة إلى قيثارة؟
الأحد 02 مايو 2021

منذ 1996 وبعد نوم مئات الكتب الفلسفية والفكرية على ذراعي كحبيبة، وبعد تعرفي على ديكارت وجون لوك وأفلاطون ونيتشه وتشارلز ديكنز وجان جنيه ونزار قباني، وسهري حتى الصباح، وأنا أحتسي القهوة مع كتاب نهج البلاغة للإمام علي (ع) مع إبهارات قصة الحضارة للمؤرخ الأميركي ويل ديورانت، والروايات العالمية لهوغو، وهمنجواي، منذ ذاك الوقت، وأنا أحمل مصباحا أخرج كل صباح لاصطياد الحقيقة.

أنا شخص لا ألقي بندقيتي على الأرض، وهناك في غابة الحياة غزالة حقيقة تحتاج إلى اصطياد. يقول نزار قباني: “أنا كثعلب الغابة، لا يريح ولا يستريح”.

قررت أن أطرح رأيي لخدمة وطني والناس دون أن أحمل شهادة تأمين حتى ولو غضب من لم يفهمني؛ ليقيني أن الحجارة التي تلقى على نافذة كلماتي ستتحول - بعد أن يكتشف الناس ولو بعد عشرات السنين صحتها - إلى باقات ورد. كل حجرة تتحول إلى فراشة زرقاء في حديقة التنوير.

هذا ما يحدث اليوم، عشرات الإميلات، والاتصالات التي تصلني محملة بالعطر وماء الورد، أصبحت مقتنعة أن المطالبة بالحقوق تكون بدعم القيادة والوطن والركون للعقل والوسطية والاتزان. قلت قبل 20 عاما بكل وضوح وفي صحيفة الأيام: “مقاطعة الانتخابات البرلمانية خطأ استراتيجي”. وسكت البعض خوفا من غضب الجماهير وأظافرها.

نعم، تم إلقاء الرصاص الكاتم للصوت ضد كل عصافير أفكاري في حينها لكني لم أهتم، حاولت أن أطفئ الحرائق بماء الورد، وأحول البنزين إلى ياسمين، وأرش الجروح بالسكر بدلا من الملح. وقفت ضد “الاستقالات البرلمانية” في 2011 وسكت البعض مرة أخرى خوفا من خسران الشعبية الجماهيرية المنتعشة من خمرة الشعارات التي تأتي من الخارج، وانزلقنا للكارثة. دعوت بعشرات المقالات لعدم مقاطعة انتخابات 2014 و2018 والبعض صمت ومازلت أحمل مطرقة فيلسوف المطرقة (نيتشه)، لكن في السياسة وليس الفلسفة.

راهنت على قانون العقوبات البديلة، ودعمته بقوة، وخرج من “كفرني بخطاب وبالاسم”، ابتسمت، وأنا أنزع الشوك من على ذراعي وذراع الوطن، ومازلت أمشي على حد السكين مراهنا على تحويل النزف إلى عزف والإثارة إلى قيثارة.

وها نحن اليوم، نشهد أهمية هذا القانون في تهدئة القلوب، وفرح وسعادة الناس، وحجم الارتياح الذي يعم الأهالي أملا للخلاص من علاقة كنسية مع الألم، وتقر العيون، وتكون طريقا لمراجعة الأخطاء، والعمل جميعا صفا واحدا في دعم القيادة والوطن والوحدة الوطنية، وتركيز الحقوق من خلال مؤسسات الدولة والمجتمع المدني لا من خلال البيانات المتورمة التبسيطية الإنشائية المكرورة التي ما عاديهتم بها غالبية الناس.

راهنت على تحويل الجروح إلى أجنحة، وحقول الألغام إلى أنغام، والخنجر إلى مبخر، والحجر إلى قمر، والنزف إلى عزف، ومازلت أسير. ومازلت مؤمنا وبلغة الأرقام مع نقد فلسفي معرفي ميداني، ذي بُعد فقهي أصولي تاريخي مستندا على أدلة علمية وعقلية ونقلية عن أن مسار الاعتدال هو الذي يخدم الوطن والناس، وليس مسار “النظرية الثورية” القائمة على المقاطعة ودفع الفواتير السياسية وإدخال أبنائنا الصغار في طاحونة الموت ونيران المحارق، نظرية تخون أي صاحب رأي آخر.

إن مسار نظرية “الواقعية السياسية الوطنية التسامحية” في دعم الدولة، وتعزيز الثقة القائمة على نظرية الاعتدال والتوازن والعقل وحل ملفات المجتمع بالهدوء والمنطق هو الصحيح، لذلك سأعمل لأجل خدمة الناس والوطن، “فلا أستطيع أبدا أن أغلق فمي حيث فتحت قلبي”. أنا أحارب الناس بالحب ولا أكدس على صدري صناديق قمامة حقد على أحد. أنا أطرح ما أؤمن به بكل وضوح، وهذه نظريتي التي أحارب من أجلها.

20 عاما ونظريتي هي الاعتدال التي تقوم على الأركان الأساسية: الوطن، القيادة الناس، الإنسانية، الحب الجمال، القيم. يقول دوستويفيسكي “أنا أنطق مالا تجرؤ أنت بالتفكير فيه”. هذه ليست نرجسية، بل دفاع عن مبادئي التي أراها تنقد الناس.

دعوني أخبركم خبرا: الآلاف من الناس تغيروا الآن، وأصبحوا يؤمنون بالخطاب المعتدل، وثقافة العقل التي مازلت أدعو لها منذ 20 عاما، وهم في ازدياد، وأنا في تواصل معهم. وعشرات في الخارج ملوا من خطابات ثورية مكررة، ويريدون ترك هذه الأدبيات وأعلن بعضهم “التوبة السياسية”، التوبة من الخارج التي لم تزدنا إلا ضياعا. وأقول لكم: الإقصاء والتخوين المبطن أو الصريح سيشمل الآن ومستقبلا أي شخص جديد يسعى لصناعة أمل، عالم دين كان أو نائبا أو تاجرا أو مثقفا. لن يوفروا أحدا، لكن المهم هو أن نواصل في ترسيخ ثقافة التنوير، ودعم الوطن والقيادة والناس، “فعصفور واحد يغرد في الصباح كفيل بعودة الربيع”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .