التراث – الذي يُشار له بمجموع نِتاج تجارب الإنسان ورغباته وأحاسيسه في ميادين العلم والفكر واللغة والأدب والفلسفة والدين والفن والعمران والتي غالباً ما ترتبط بتاريخ الشعوب والأمم وبما ورثه الأبناء من الآباء عن الأجداد في العقائد والعادات والأفكار والقيم والمفاهيم وكل أشكال العلاقات الإنسانية ونواحي الحياة الاجتماعية – تبدو أهميته متعاظمة في وضع هوية تلك الشعوب والأمم التي تميّزهم عن غيرهم من الشعوب والأمم الأخرى ووضعها في موقعها الصحيح باعتباره إحدى الأدوات المهمة في تكوين فكرها وعقلها وثقافتها التي كثيراً ما تحتل موقع الصدارة في الوقت الحاضر بين الدول المتقدمة الملتزمة بتكوينها التراثي الأصيل وعاداتها التاريخية المتواترة عن الآباء من الأجداد.
يأتي المشروع المصغّر لـ "القرية التراثية" بمنطقة عراد بمحافظة المحرق الذي أُتيح لجميع الزوار مؤخراً، واحداً من المشاريع الأهلية البحرينية الخالصة التي حافظت على أهمّ الملامح التراثية لشخصية المجتمع البحريني في عاداته الأصيلة وثقافته النبيلة وميوله الطموحة وروحه المكافحة منذ القدم. هذا المشروع الذي شَمِلَ بأركانه الأساسية 15 حرفة يدوية نادرة أو مهددة بالاندثار تحت سقف واحد؛ قد التزم القائمون عليه بنغمة الإيقاع التراثي ومذاقه العريق لأبناء البحرين القدماء حتى يومنا هذا، بعد أنْ جاءت فكرة إنشائه – المُستَغْرقة قرابة 7 شهور بأياد بحرينية يافعة تراوحت أعمارها ما بين (7 - 20) – جاءت مختلجة عند مؤسس المشروع الأستاذ "علي المطاوعة"، الذي يعدّ من الكفاءات الوطنية المتميزة والعنصر البارز للطاقات الشبابية الفائقة التي قطعت شوطاً كبيراً في تجربة العمل التراثي الشعبي وما صاحبها من مشاركات داخلية وخارجية في المعارض والمهرجانات التراثية، حيث برزت الحاجة ملّحة – وفق ما أفاد - إلى إقامة مقر دائم يحتضن المهن والحرف اليدوية البحرينية التراثية الأصيلة التي ورثناها من آبائنا عن أجدادنا، والحرص على نقلها بكل فخر واعتزاز للخلف من الأجيال اللاحقة بالتدريب والمراس بعد تعريفهم بأهميتها في حياتهم، ولما تُمثله من عمقِ ضاربِ في حضارة وتاريخ هذا البلد منذ القِدَم.
نافلة:
مهمة الحفاظ على التراث وتعريف النشء به منذ سنيّهم الأولى عن طريق الأسرة أو المدارس أو الجامعات أو ما شابه من مؤسسات المجتمع المدني ومنظماته المتعددة، تكتسب أهمية مؤثرة في حياة الشعوب والأمم المختلفة على مستوى العالم باعتباره جزءا لا يتجزأ من منظومة أمنها المجتمعي الذي يحول دون انزلاق أفراد مجتمعاتها في ثقافات هابطة تؤدي إلى تلاشي قيمهم الراسخة وتجنيبهم أي انجراف يُقوّض أركانها الأساسية. كما أنّ تضمين المناهج الدراسية المحلية – مثالاً لا حصراً - بما اشتملت عليه أركان "القرية التراثية" المصغّرة فوق جغرافية قرية عراد الشهيرة؛ يُترجم الإطلالة "الحية" التي يستقي منها أبناؤنا الدروس العملية ليَعْبُرُوا بها من جسور الحاضر إلى دروب المستقبل الذي تُصَنّع فيه الكفاءات المتميزة من رَحِم الثروات الوطنية المخلصة.