+A
A-

خمسة قرون من المغامرة في الجزيرة العربية

ليس من المؤكد أن اكتشاف الجزيرة العربية كان قد أنجز في سنة 1870 إنما كان هذا الاكتشاف قد تم تحقيقه بصورة إجمالية فيما يختص برسم حدود البلاد والأماكن المقدسة وسكان المناطق المختلفة فيها، ولكثير من المستشرقين الفضل في إبراز معالم تاريخ جزيرة العرب، وفي كشف ما خفي من آثارها، فضلاً عما لهم من فضل في إحياء التراث الإسلامي والشرقي بوجه عام، وقد تصدت فئتان لذلك، وهما: فئة عنيت بنشر المؤلفات القديمة، ومنها ما يتعلق بتاريخ العرب وجغرافية بلادهم، نشراً يبلغ الغاية في تحقيق النصوص وتقريب إدراكها بالتبويب والترتيب، ووضع الفهارس الكاملة، لمختلف موضوعات تلك النصوص؛ بحيث أصبح عملهم في هذا المجال مثالاً يحتذى، في الجودة والدقة.

هذا ما يؤكده العلامة حمد الجاسر في تقديمه لكتاب "اكتشاف جزيرة العرب" من تعريب قدري قلعجي، فالجاسر يعترف بأن كل معني بالبحث في تاريخ الجزيرة وجغرافيتها لا يزال عالة على ما نشره المستشرقون، وحققوه من المؤلفات القديمة عنها، وتبرز رحلة الربان الهولندي فان دون بروكه إلى اليمن في مطلع القرن السابع عشر، ويصف هذا الرحالة الهولندي مظاهر الترف في حياة ولاة اليمن.

تتجلى للقارئ بوضوح قسوة الحياة التي يعانيها المغامرون في قصة "بعثة جونتجن" التي بعثها ملك الدنمارك إلى الجزيرة العربية في عام 1761 فلم يعد منها سوى العلامة نيبور، وابتلعت الجزيرة الأربعة الآخرين، إلا أن ما أسداه نيبور من يد في ميدان البحث؛ يخفف ألم الفجيعة بفقد تلك النخبة المختارة من العلماء المغامرين.

تقول مؤلفة الكتاب جاكلين بيرين: "يجد الباحث فيما سجله نيبور عن رحلته حقائق عن سكان شرق الجزيرة العربية، من دونها لا نتبين معالم تاريخ ذلك القسم، على نحو ما تتصف به تسجيلاته من إيجاز"، ولعل من أمتع فصول الكتاب الفصل المتعلق باكتشاف عسير؛ حيث تتجلى فيه ما تتصف به المؤلفة من روح علمية منصفة، تتحرى الحقيقة، ولا يزال هذا الإقليم مفتقراً إلى مراجع تاريخية، كغيره من أقاليم الجزيرة، باستثناء الحجاز.​