العدد 4264
الأربعاء 17 يونيو 2020
banner
مات الأب
الأربعاء 17 يونيو 2020

رغم أنه كان هاجسًا مؤرقًا لحياتي ومنغصًا لراحتي وأوقاتي، إلا أنني لم أكن أتخيل أن يكون وقع سماع خبر وفاة والدي بمثل هذه القسوة والألم وأن يسبب كل هذا الحزن والوجع، وأدعو الله أن يلهمني الصبر على هذا الفراق الصعب.

ورغم إيماني بأن الموت حق وأن لكل إنسان وقتا حدده الله له وأجل قدره، إلا أنني كنت أدعو الله أن يطيل في عمر أبي لأظل إلى جواره أسعد بحبه وأنهل من عطفه وحنانه وأستمد من عونه ما يعينني في حياتي، ويحفزني على تحقيق نجاحات لكي أسردها وأقصها عليه كل يوم وليلة لأنني أعرف أنه يشتاق لسماعها ويزداد سعادة وبهجة وهو يرى ثمرة من ثمار تربيته وحصادًا لما زرع في من صفات.

ورغم أنه الإنسان الأعز إلى نفسي والأقرب إلى روحي وقلبي، إلا أنني لم أكن أتخيل أن لا أكون بجواره عند موته، بل ولا أحضر جنازته في ظروف لم نشهدها ولم نعهدها من قبل، لكنني أصبر نفسي وأهون عليها بمحاولتي إقناعها بأن هذا البعد خير لي ولأبي لأن الفراق حتما سيكون أصعب وأشق إن كنا بجوار بعضنا.

ورغم أنني رأيت ولله الحمد من مظاهر الصبر والثبات وحسن الخاتمة لأبي ما يسعد قلبي ويطمئن نفسي ويخفف من حزني على الفراق، إلا أن غيابه يفجر كل مشاعر الحزن والأسى ويولد ألما شديدا وينثر في أيامي قسوة كنت فيما مضى أتغلب عليها بقوة وجود أبي في حياتي.

ومن كرم الله تعالى علينا أن جعل الباب مفتوحًا لأن نبر آباءنا بعد موتهم، وأن جعل من أهم أعمال البرّ التي لا تزال تزيد من حسناتهم بعد وفاتهم، الولد الصالح الذي يدعو له، فاللهم ارحم روحاً صعدت إليك ولم يعد بيننا وبينها إلا الدعاء، وأكرم نزله ووسع مدخله وارفع درجته وأفسح له في قبره ونوره، وأبدله دارًا خيرًا من داره وأهلاً خيرًا من أهله.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية