العدد 4235
الثلاثاء 19 مايو 2020
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
النزف على ورق الكتابة
الثلاثاء 19 مايو 2020

عندما يقل أكسجين الحياة، وتتزاحم الأزقة، وتضيق الأرصفة يلتجئ كل إنسان الى مخدعه الأحب. طيلة الأشهر انشغلت بعيدا عن الواقع في حديقتي الخاصة، حيث اقتطف قناديلي من شجرة المعرفة. وحدها الثقافة قادرة على إسكارك بنشوة التسامر مع القمر ولو كنت وحدك. يقول الامام علي “ع” في تعريف الثقافة (في الملأ جمالٌ وفي الوحدة أنس) لا أخفي عليكم بقيت متسمرا طيلة أشهر مع فلاسفة متنوعين، وشعراء عالميين، وكتاب وأدباء من قبيل بودلير ودانتي وبوشكين، ورحت أشاطر الحديث دوستويفيسكي في كل وجعه، خصوصا عندما كانت رقبته قريبة من منصة الإعدام. جلست مع عشيقة الفيلسوف الفرنسي، سارتر، سيمون دي بوفار وقرأت لها فلسفتها في الحب، حيث قسمت العلاقات الغرامية بين (حب الضرورة ) و(الحب العرضي)، وهي ذاتها التي رفضت الإنجاب، قائلة: (الزواج نعش والأبناء مساميره)، وهذا سأتناوله لاحقا في الكتابات القادمة بمنطق فلسفي أركويولوجي. فأنا أجد الزواج شجرة مانجو لأثمار حديقة الحياة.

ولعل أكثر ما استوقفني في هذه الأشهر، كتابات الأديب الروسي العظيم انتون تشيخوف صاحبة قصة (المغفلة) والقصص القصيرة. هذا الأديب والطبيب في ذات الوقت، ساهم في كتاباته بسقوط الأمبراطورية القيصرية، ومهد للثورة البلشفية التي انتهت بحكم شيوعي انغمس في يوتوبية ورومانسية الاشتراكية، ولم يقلل من غطرسة الرأسمالية وترهات القطط السمان من تجارها.

كان لتشيخوف تأثير في محاربة الاقطاع ورفض تحويل جلود الفقراء إلى أحذية لامعة يلبسها أصحاب الدم الأزرق أو حقائب جلدية لحفلات بنات الإقطاعيين في روسيا. بالطبع للشاعر الروسي الكبير بوشكين دور كبير، وآلمني طريقة قتله، فقط لأنه انحاز للفلاحين. ولا ننسى دور تولستوي الذي أراه إنسانا عظيما إلا أني انتقده في تشدده اليوتوبي في توزيع تركته وأراضيه وبقائه وحيدا هاربا من زوجته حتى مات بسبب الشتاء القارص على رصيف بالقرب من محطة قطار. رسالتان أثارتا فيَّ الحزن، رسالة الفنان العظيم الهولندي، فان جوخ لاخيه قبل انتحاره، وكيف قاده الحب للانتحار، ورسالة الاديب الروسي العظيم دوستويفيسكي لأخيه قبل محاولة إعدامه بأيام.

إنهما تحكيان اصطباغ صدق الأخوة على مسلخ الموت، وكيف يتحول الحب الاخوي ألى نبضَ آخر ساعة عند اقتراب الروح من العروج قبل التحافها برصاصة أو النوم على حد خنجر. بين كل هذا الاستمتاع الممزوج باللذة والألم، كنت ملازما يوميا بقراءة نهج البلاغة، وبعيدا عن الأيديولوجيات، كلما احتجت إلى عقاقير معرفية التجأت إلى صيدلية الإمام علي “ع”. الإمام يقول: (كن كما تكن، ولا تكن كما يكونون، ولا تقل ما تسمع ولا تسمع ما يقولون، وكما ولدت باكيا والناس حولك يضحكون، فمت ضاحكا والناس حولك يبكون)).

كل هذه النشوة المعرفية، سأسعى لأن أضعها في (مولينكس) الصحافة، وأخلطها بواقع وجع الناس، وفرحهم، وكيف نستطيع أن نناقش القضايا الحيوية التي تمس الواقع ابتداء بتسليط الضوء على الملفات الإيجابية أو السلبية للوزارات، وبطريقة علمية معرفية، وبمنطق سوسيولوجي وسيكولوجي، لعلنا نقترب من نبضَ أرصفة لا يكسو بعضها إلا الغبار أو ستائر وردية لا يرقص عليها إلا عطر الترف. اسمحوا لي البدأ في النقد، وأطرح آرائي بكل جرأة في القضايا الاجتماعية والدينية والسياسية، وما يتعلق بالواقع من مخاض.

قد أكون مزعجا أو مشاكسا أو صادما في الخطاب، لكني مؤمن بأن كسر التابو إذا لم نمارسه في الحياة سنكون مجرد صدى. خطاب الصدمة مارسته منذ عشرين عاما ومازلت لإيماني بالحرية والحضارة الإنسانية ولإيماني أن الوعي النقدي في ازدياد في مجتمعنا والعالم العربي. يقول أفلاطون: (لو أمطرت السماء حرية .. لرأيت بعض العبيد يحملون المظلات)).

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .