العدد 4139
الخميس 13 فبراير 2020
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
98.4 %
الخميس 13 فبراير 2020

الناس ليسوا لعبة شطرنج على مسالخ المغامرات، وحياتهم لا يمكن أن ترتهن في عالم أسهم بورصات السياسة المتقلبة الضمير ارتفاعا وهبوطًا، وليسوا كيس ملاكمة تنزل فيه ضربا عندما تبحث عن تعرق يخفّض حجم شحوم متراكمة الخيبات من تحويل أحلامهم وفق بوصلة السياسي المتوحم على فقاعة كارزمية مشتهاة للعودة كما يفعل مقتدى الصدر في العراق، والذي أصبح ينام على أكياس الإرث التاريخي لآل الصدر الذين ارتهنوا حياتهم لخدمة الناس، لكنه أصبح أشبه بجنرال يهدد الناس. تلك هي ديكتاتورية رجل الدين عندما يلبس عباءة العائلة نرجسية وغرورا بأبوة قاسية لا تخلو من ملامح الجنرال السادي وهو يتلذذ في تهديد الفقراء فقط؛ لأنهم آمنوا بالحرية، وعدم لبس معاطفه المثقوبة بالسعال والنرجسية، بتهديدهم أن خط الصدر خط أحمر فوق القانون، وفوق النقد. ما أتعس المصير عندما يتسيد الأمة رجل دين مقطوع عن الواقع  ويمارس السياسة بغباء، فيكرر تكديس الأوجاع دون النظر لعواقب الأمور. الدور السياسي الحكيم من يزرع الأمل بعقل وضمير بعيدًا عن الانتفاخ الأنوي.

بقدر ما يتضخم السياسي من مطبخ الجماهير طعاما سياسيا شهيا بقدر ما تكون النتائج كارثية، لكن الجماهير لا تكتشف ذلك إلا عندما تفيق من الغيبوبة الدينية، وخلو دمها من مخدرات الخطب الكارثية، فتكتشف أن دم أبنائها أصبحت بسبب المغامرات السياسية أرخص من عصير البندورة، وأصبح موتهم وسجنهم وغربتهم في المنافي أقل من دراهم معدودة تدفع صدقة عن السياسي المتهور الذي يوفر نفسه وأولاده على حساب الملايين الذين يذهبون هدرا نتيجة قرارات أنوية مبسطة وسطحية يراها مجرد هواء ينفخ غبارا عن كتب الفقه التي لا يتطابق معضمها مع الواقع. أكثر ما يوجعني مشاهدة أم تموت حزنا على ولدها أو شاب تذبل زهرة عمره لسنين يذهب ضحية خطاب غير مدروس أو نتيجة سوء موقف لقرار سياسي هو لا يعلم أبعاده.

ليس من المنطق ولا الضمير أن يوفر أبناءه ويدخلهم في أفضل الجامعات الأوروبية، في حين يزج بالناس في أتون الحروب والمحارق السياسية، ثم بعد ذلك يقول بين حاشيته بعد سنين طوال (أعتقد كنت مخطأ في هذا القرار السياسي أو ذاك). كثير من هم في الخارج من الشباب اكتشفوا أنهم زجوا في محرقة شعارات جنونية، في حين كان بإمكانهم ممارسة الديمقراطية البحرينية وفق الأطر القانونية بعيدا عن العناد، وثقافة الارتطام بالجدار. التاريخ يتكرر بخيباته، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وقفت أم مسكينة تتصفح وجوه العائدين لعلها تلمح ابنها راجعا من الحرب، فأوقفت أحدهم تسأله: هذه صورة ابني ياسيدي، هل تعرفه انتهت الحرب وهو لم يعد؟ فالتفت لأصحابه قائلا: (مسكينة هذه الأم، لا تعلم أن الحرب لا يعود منها إلا قادتها). دائما أحمل الأمل على ناصية الحلم أن تعي كل الجماهير العربية أن تكون حذرة من تمساح السياسة من أن يبتلعهم، فتتحول جلودهم إلى حقائب جلدية ممتلئة بأوراق المساومات لذات الساسة يوم يجلسون على طاولة التفاوض.

من يقرأ كتاب الأمير لمكيافيللي أو كيف تمسك بزمام القوة لروبرت كرين، ولعشرات الكتب السياسية كيف تحذر من خطورة ذهاب الناس ضحايا للمحارق السياسية، يكتشف أن التوازن والوسطية وسياسة الخطوة خطوة هي الأفضل للأوطان وللشعوب. لقد كان تاريخ 14 فبراير حيث يصادف في اليوم التاريخي في التصويت على ميثاق العمل الوطني بنسبة 98.4 % يوم مبارك للبحرين، وسيبقى يغذي الذاكرة بأجمل الأيام، والحفاظ عليه والبناء على ما جاء فيه بالعقل والوعي والوطنية ودعم الوطن قيادة وشعبا طريق نحو حياة أكثر جمالًا وازدهارا؛ لذلك أدعو كل بحريني بالاحتفال بهذا اليوم ورفع علم البحرين علوًا وأفقًا نحو مزيد من الاستقرار. استنسخوا ذات الفرحة الكبيرة والانتصار الكبير بفوز منتخبنا بكأس الخليج في أغلى المناسبات الوطنية، وسترون كيف ستكون البحرين أكثر ابتهاجا وجمالًا واستقرارا، وكيف أننا خطوة وراء خطوة نعزز الوحدة الوطنية، ولكن هذه المرة أكثر ابتهاجا وجمالًا.

وهنا أقدم كل الشكر والامتنان لجلالة الملك في استبدال بعض الأحكام بالعقوبات البديلة وكيف عمت الفرحة في مدن وقرى البحرين، فليس بعيدا عن الملك الإنسان أن يؤنسن حياة شعب يكن له الولاء سياسيا واقتصاديا واجتماعيًا. أقول للناس خصوصًا في القرى، كلما زاد الوعي وارتفعت الوسطية وكنا حذرين من أي شعارات خارجية أو دعوات والتزمنا المنهج الوسطي ساهمنا على صناعة مناخ آمن يقود إلى فرح أكبر للبحرين، ويكون الفرج الكبير لوطن يسمو بالاعتدال والتوازن والوسطية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .