+A
A-

كتاباتنا المبكرة..شهود على البداية

حين نعود لكتابات البدايات ، قد يحدث أن نفاجئ بما نجده فيها من ضعف وأفكار سخيفة . مع أننا نتذكر أنها، في العمر الذي كتبناها فيه، كانت تبدو لنا في قمة الابداع.

ذلك لأننا ننمو نفسيا ، ونتغير. فتتراجع أهمية بعض الأفكار وتستحوذ علينا أفكار أخرى. تتجدد أفكارنا، وتتطور أساليبنا في التعبير كلما كتبنا أكثر.

في أيام الاعدادية، كنت قد ألفت مسرحية وفيلما ومسلسلا ، كانت المسرحية حول إخوة يشتتهم الفقر ، والفيلم حول مغن يتبنى طفلة موهوبة ، أما المسلسل فكان من احدى عشرين حلقة ، ويتناول قصة فتاة ثرية لديها صديقة من عائلة بسيطة ، ولكن أهل كل منهما لا يرحبون بهذه الصداقة ، كتبت المسلسل ليكون انتاجا مشتركا ، مصريا ولبنانيا ( تعلمت اللهجة اللبنانية وقتها من تكرار سماعي للقاءات نجم لبناني كنت أهواه ، أما اللهجة المصرية فليس هنالك من لا يعرفها) .

وبعد عدة أشهر، حدث لي شيء غريب.. صحوت فجأة وأنا أراجع في رأسي كل ما كتبته : لا أبدو ظريفة بما يكفي في المسرحية  . بل إن بعض نكاتها سمجة ومكررة. الفيلم سخيف جدا والمسلسل غبي ... أنا بلهاء ولا أحد سيعجبه ما كتبت. فكرت في أن أحرق الدفاتر الحمراء والسوداء التي كتبت فيها النصوص (أيامها كانت كل الدفاتر حمراء أو سوداء فقط  ) . لكني خفت أن يخرج الحريق عن السيطرة، أو تعلق رائحة الدخان في الغرفة لفترة تعود خلالها أمي وأختي من الخارج وتؤنباني . لذلك قررت أن تمزيق الصفحات هو الحل الأمثل، وإن استغرق وقتا. 

بدأت: حولت الأوراق إلى قطع صغيرة جدا بحجم خضروات السلطة ( ولو استطعت لعملت منها أيضا تبولة !! ) . وحين عادت أختي الكبرى من بيت صديقتها ووجدتني منهمكة في التمزيق، ساعدتني. سمحت لها بذلك لأنها لا تعرف القراءة، فلن تقرأ العار الذي كتبته. وغالبا، فإنها فكرت بأن تلك دفاتر مدرسية لم أعد بحاجتها. 

بعد شهرين آخرين، عدت آسف لما فعلت،. كيف استطعت أن أفعل ذلك ؟. لقد كنت أكتب طوال عطلة الصيف، عملا تلو عمل ... وعطلة الصيف، لمن في ذلك العمر، زمن طويل ، كان ينبغي أن أحتفظ بالدفاتر،  ليس لدي أسباب مقنعة لذلك ولكني أشعر بأنه كان يجب أن أفعل.

ورغم أني من بعدها بدأت أحتفظ بكتاباتي ، حتى تلك التي كتبتها كفروض منزلية في دفاتر " التعبير والانشاء " ، ومع أنني واثقة من أن الكتابات التي مزقتها لو كانت ما تزال بحوزتي لما واتتني الجرأة للاطلاع عليها ، إلا أنني ما زلت متأسفة.. ماذا كان سيضرني لو أنني أبقيتها؟

منذ ذلك الوقت وأنا أعتقد بأن على كل كاتب أن يحتفظ بكتاباته المبكرة . من أجل الذكرى ، أو كشهود على بدايته أو حتى بلا سبب.