من مشاهد تجليات الحكمة وحقيقة نبض الوجود الإمكاني الإنساني والتنموي في مسيرة حياة رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، هو استمرار التدفق الولائي والاعتمادي على الفكر التنويري لسموه حفظه الله ورعاه، من استدامة حضور الرموز والقيادات البحرينية لمقر إقامته في ألمانيا الاتحادية، وتمثل الزيارة الأخيرة لنائب رئيس الوزراء سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة عنوان التجلي الرفيع لسموه الكريم في “العِمادة في ريادة التنوير للضمير والقيادة”.
والفكر التنويري في مسيرة حياة سموه الكريم، هو فكر نوراني إسلامي نابض بالحياة والحكمة والذكاء.. فكر يجمع بين العلم والإيمان وبين العقل والدين، ويمثل في مقتضاه توقُّدًا روحيًّا للضمير المُسَيِّرِ للتنوير، والمحرك للعدل وحسن التقدير بحكمة الضمير.
فِكرٌ لم يغفل صغيرة ولا كبيرة، ولا شاردة ولا واردة تعبر في سماء الحقوق الإنسانية بيوم من أيامها العالمية المعلنة في الأمم المتحدة، كالطفل والأسرة والمرأة التي احتُفِل مؤخرا بيومها في الثامن (8) من مارس، وقلبه الكبير باق ينبض يزفها تمشي دلالا تُعَطِّر الكون بهواها.. وحدد لها مسارها بما تستحق واحتضنها واحتواها.. واحتطب لها منزلا وأسكنها فيه ورعاها.. ومَدَّ لها ينبوع الحياة وسقاها.. وذلل لها الصعاب مما أصابها وابتلاها.. وأركس شدتها وردَّه على من عاداها..
فِكرُ أميرٍ حكيمٍ متجذرٍ وجدانيا بعروقه الممتدة في أعماق التاريخ مرسخا البناء.. ومُحلقا روحيا بأغصانه المثمرة للحاضر والمستقبل معانقا عنان السماء.. طموحا إنسانيا لم يتوقف عبر الزمن بعدد ذرات الهواء.. محتضنا الحكمة في فؤاده وملبيا دعوة الداعي بالصلاة والرجاء.. ورافعا يديه بإخلاصِ متيقِّنٍ ومحبٍ ومؤمنٍ بالدعاء.. طالبا من الله عز وجل العفو والعافية والخيرات النامية لأمته وللإنسانية جمعاء..
قال تعالى ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ سورة البقرة (269).
فطوبى لمن يرى بريق الإشعاع الروحي للضمير في فكر سمو الأمير حفظه الله ورعاه ويستمد منه أملا وتفاؤلا وطموحا، ويستلهم منه رفعة وقدرا وسموا، لأن الإشعاع يشكل مرحلة إنسانية متقدمة ومتفردة عالميا ومؤثرة في مسيرة النجاح في حياة سموه ومن حوله الكثير من محبيه، ومُتَّقِدة نورا وحكمة وحنكة وذكاء في حياته السياسية والعملية.. مستقرة حكمته بلا منازع في عين الضمير.. وأصبحت نافذة بلا منافس في قلب الضمير.. وامتدت عمقا في وجدان الضمير..
وقراءة الحياة السياسية لفلسفة فكر سمو الأمير حفظه الله تشكل مثالا نموذجيًّا يُحتذى به، وتُعد منطلقا علميًّا ثرياًّ مُهِمَّا للرواد المبدعين في فن الدبلوماسية والسياسة الحكيمة، فحياته إنسانية عادلة ومعتدلة مبنية على الضمير في تكوينها وحركتها، وحُبلى بمعانى ثمرة الوجود الإمكاني وتجلياته الإنسانية، ومختلفة اختلافا جذريا عن النطاق العالمي وما يحمله من مفارقات وتناقضات سياسية في القدرة على التعاطي العادل والمعتدل بين القضايا الإنسانية المتشعبة والشائكة.
وتبقى فلسفة سموه حفظه الله حاضرة في المواقف الإنسانية، وستدوم وتقوى مع بزوغ فجر اليوم العالمي للضمير، وسيكون لديها القدرة والتأثير لاستحثاث العالم المتحضر، بضرورة الخروج بحلول ابتكارية ذكية من المآزق التي تخلفها تلك السياسات المترهلة فكريا وتطويريا، في إشارة توجيهية ترشد معارضي التغيير والتطوير للطريق الصحيح وقد تثير حفيظتهم، كونهم يؤمنون بأبجديات العمل السياسي التقليدية، في عدم الدخول والمجازفة في نهج كسر القواعد والمساس بها لأجل النجاح المزعوم المحفوف بالمخاطر كما يدعون، لغلبة الطابع الأرستقراطي والبروتوكولي في سير العمليات الإدارية والسياسية لديهم.
فمِن وجهة نظر فكرية تتحدى معارضي ومحاربي التغيير في كسر القواعد الذابلة، وتتركز في فتح مدخل أساس تحليلي علمي لتفكيك القواعد الساكنة نحو النجاح التفاعلي الذي يؤمن به سموه حفظه الله، من خلال التشجيع والتوجيه المقنن المدروس والمهيكل بخطط علمية مرجعية لكسر أي قاعدة دنيوية متغيرة أو متسلقة على الحقيقة، والتي تؤكد الدراسات نجاح هذا النهج في خلق التغيير المتفاوت نسبيا وفقا لمستوى استيعاب وتنفيذ أسس الذكاء الاستراتيجي الممنهج علميا، أي بمعنى دراسة وضع خطوات تفكيكية مرحلية وتقييمية لأي قاعدة مقصودة للتفكيك سواء أكانت ضعيفة أم قوية أو متأرجحة، ليتسنى اختبار مدى تماسكها من تشتيتها إن كانت ضعيفة فلن تقاوم والعكس صحيح، أو إعادة ترتيبها وهندستها بما يخدم القاعدة، لتصحيح ورفع مستوى مخرجاتها إن كانت كفة النجاح أعلى من الفشل، فسيتلاشى رويدا رويدا ويضمحل الفشل، نتيجة هيمنة وسيطرة النجاح تدريجيا على الضعف والفشل..
وقد يكون تطبيق دراسة علم الإنسان المسمى بمنهج أو علم الأنثروبولوجيا، دور عملي مهم في تسريع تقبل التغيير الإجتماعي، وتبريرا ممنهجا ومعززا لكسر القواعد الساكنة وتغييرها لقواعد ديناميكية تفاعلية ناجحة، كونه من العلوم الإنسانية والمناهج القديمة الحديثة المستحدثة والمستخدمة في دراسة الأفكار المستحدثة، وإحدى أدواته هي الملاحظة بالمعايشة، ومؤلف كتاب “الأفكار المستحدثة” “أفريت روجرز” يذكر بعض التحليلات البسيطة والمفيدة للتعجيل في تبني الأفكار المستحدثة داخل المجتمعات الصعبة وفقا للنهج الأنثروبولوجي ويلخصها في؛ ضرورة وجود معلومات وفيرة حول الفكرة الحديثة للمساعدة في فهمها وتصديقها وتبنيها، وأن تكون الفكرة بسيطة وسهلة في مجال التطبيق، بحيث تكون مرتبطة بالأفكار السابقة لزيادة الإنجذاب اليها والإرتباط بها، مشيرا الى أن السابقين الأوائل لتبني الأفكار الحديثة يحتاجون لوقت أقل في تبني المزيد منها.
فمن الضروري التركيز على السابقين الأوائل أصحاب الفكر والبصيرة في التبني للأفكار نحو التغيير الإجتماعي والتفكيك للقواعد الساكنة، والتوجه لهم أولا لرفع نسبة القبول والاستيعاب والإستدلال بتجاربهم، ويشير “روجرز” ضمنيا لاحتضان السابقين لقواعد إنجاح التغيير، مدللا على أن الفترة بين الإدراك والملاحظة والتجربة أطول من فترة التجربة والتبني، ومرحلة التجربة والتبني تكون أطول بالنسبة للمتبنين الأوائل مقابل الأواخر، ومرحلة الإدراك والتجربة لدى الأوائل أقصر منها لدى الأواخر، والمتبنون الأوائل تكون فترة تجربتهم للأفكار المستحدثة أضيق نطاقا من المتبنين الأواخر.
فالنجاح بقواعده المتعددة التي يدرسها ويضعها كثير من العلماء والفلاسفة والباحثين، هو الطريق الممهد الممتد للتنوير الفكري الذي يسلكه سمو الأمير حفظه الله، وينيره بشعاع أَمارة الضمير التي ارتكست قلبا وقالبا في روحه وحياته، وتوهجت بشحنات الإيجاب والمحبة والدعاء والقبول، وأصبح النجاح بصلابة قواعده توأما متلازما للضمير، ويطلب تأدبا لنفسه يوما عالميا منفردا يُحتفى به، ويرقب بعينيه أن يحظى بعطف أمير الضمير، ويدفعه تشجيعا له بالظهور بين يديه في احتفالية الأمم المتحدة لليوم العالمي للضمير.