العدد 4166
الأربعاء 11 مارس 2020
banner
ريشة في الهواء أحمد جمعة
أحمد جمعة
وجبات “الفاست فود” الثقافية
الأربعاء 11 مارس 2020

الوجبات الثقافية السريعة والاستهلاكية تأثيرها على العقل مثل تأثير وجبات الفاست فود على المعدة، يجرني ذلك صدفة إلى مسلسل أميركي بعنوان “فرينديز فروم كولج”، يضطر كاتب معروف له مؤلفات مشهورة لتناول أعمال جادة وحقيقية، ويضطر أمام الحاح دار النشر إلى تغيير نهجه في الكتابة والانحراف بمواضيع رواياته من الإبداع الأدبي الجاد إلى كتابة روايات للمراهقين والشباب ما دون الرابعة عشرة والسابعة عشرة، وذلك لأن سوق الكتاب لم يعد للكتاب الجاد ودور النشر ليست مستعدة للتضحية بخسائر مادية لأن سوق القراءة للمراهقين الذين يبحثون عن روايات الحب السريع والمجنون من نوعية مصاصي الدماء والاستحمام الجماعي والوحوش والحسناوات وغيرها من تلك القصص الخيالية المجنونة التي تثير الغرائز لدى المراهقين.


أوحى لي هذا المسلسل رغم إيقاعه الأميركي الاستهلاكي وأفكاره “الشطحة” في الحياة العصرية والانفتاح بلا حدود في العلاقات، بأن الفرق من حيث سوق القراءة ونوعية القراء في عالم اليوم قد لا يختلف من زاوية تراجع الثقافة الجادة وانسحاب ارنست همنغواي وجون شتاينبك لصالح قصص وروايات مصاصي الدماء، يعادلها عندنا في عالمنا العربي قصص الغرام السريعة وموضوعات التطرف في التدين وروايات الهجر والعذاب وسهر الليالي، تلك القصص السريعة الأشبه بالفاست فود.


ثقافة جزء كبير من جيل هذه الأيام هي ثقافة الوجبات السريعة، لا أجمع ولا أعمم ولكن غالبية زبائن المكتبات هم أولئك الباحثون إما عن كتب التطرف والتزمت الديني أو الروايات والقصص المدغدغة للعواطف والمشاعر لدى المراهقين، هؤلاء هم غالبية جمهور سوق الكتاب اليوم. طبعا لا يعني ذلك أنه لا يوجد قراء حقيقيون للأعمال الجادة والراقية وذات المادة الفكرية والأدبية، لكنني أتحدث هنا عن سوق الكتاب من زاوية الناشر والموزع الذي يبحث عن هذه الأعمال لتغذية سوق استهلاكي فقد بريق الثقافة والوعي والمعرفة الإنسانية والحضارية، وغرق في ثقافة الفاست فود التي أرغمت دور نشر عربية وعالمية على الخضوع لرغبة هذه الأجيال من القراء الذين أفسدوا المعرفة والثقافة، فمقابل رواية مثل “أولاد حارتنا” لنجيب محفوظ توضع على رفوف المكتبات ولا يعرف عنها جيل اليوم شيئاً، نرى كتاب مثل “زوجي خائن” أو رواية مثل “حب خلف الحجاب” “أبحث عن عروس لزوجي” وهذه عناوين نموذجية فقط، يعاد طبعها بالعشرات، وتنظم لها حفلات التوقيع!


في الغرب وفي الشرق الأوروبي وحتى في الجانب الآسيوي، هناك سوقان، سوق للمراهقين والشباب وسوق للثقافة المعرفية الجادة، لكن السوق العربي والخليجي خصوصا للأسف الشديد انزلق لثقافة الوجبة السريعة التي تتخم العقل وتسبب التضخم والترهل في العقل مثلما تفعل الوجبات السريعة في المعدة.


تنويرة: رأيت متشائما فتفاءلت ورأيت متفائلا فتشاءمت!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .