كثيرا من عظماء التاريخ لم يستطيعوا أن يقطفوا تفاحة السعادة، إما بسبب استسلامهم للروتين أو انحشارهم في زاوية واحدة من الحياة في الكتابة أو النحت أو فن من فنونها، أو بعضهم دخل مقبرة العشق، فلم يخرج منها إلا على هيئة هيكل عظمي في كل شيء. المفكر الألماني كارل ماركس كان زعيما ثوريا، واستطاع بفكره قيادة انقلاب عالمي، وعانى من الفقر حتى أنه كثيرا ما يهدد من مالك شقته المستأجرة في باريس بالطرد، هو وأولاده وزوجته ان تأخر في دفع الإيجار، إلا أنه وفقا لزوجة تستحق الحب. عشقها وعشقته رغم أنها من عائلة أرستقراطية، إلا أنها تركت الدنيا لتحظى بأمان عاطفي متوازن. في مشهد للفيلم الجميل الذي يؤرخ حياة كارل ماركس (The young Karl Marx.) تقول زوجة ماركس الذي تركت خلفها كل مظاهر البذخ والرفاهية: (فررت من الملل الرهيب من تعاسة مرفهة، السعادة تتطلب تمردا، التمرد ضد موسسات العالم القديم). نعم السعادة تحتاج تمردا، تحتاج تضحية لأجل الذات لا لأجل الغير. تحتاج تكسير كل أصنام العبودية أكانت ثقافية أو مجتمعية. علاقاتنا عبارة عن سجون متحركة بين جلاد وضحية. نتعذب كل يوم، ونحن نرى سعادتنا في تناقص، وفي كل يوم تتناقص طوبة طوبة إلى أن يأتي يوم الانهيار الكبير، ورغم ذلك نرضى بالقهر الزمني. نولد في سجن متحرك، ونعيش في سجن متحرك، ونموت في سجن متحرك. اصنع التمرد بكسر الأغلال، خذ فأسك، واهدم كل شيء يحول دون سعادتك، واستمرار متعتك المقدسة، والمشروعة في الحياة، وحريتك في التمتع في الوجود. في علم التفس، لا يعترف بمصطلح طالما خدعنا به ، اسمه (تضحية) هذه كلمة يجب أن تمحى من قاموس الحب. ماذا يعني أن تضحي لأحد؟ ان تكون ضحية لشخص أو لابن أو لزوجة؟ نعم، كن معطاء، ولكن لا تضحي بسعادتك ووجودك، وشبابك، ثم تموت فجأة وتنسى بعد ثلاثة أيام. ما لم تحب نفسك لن يحبك أحد. الحب الحقيقي يبدأ أولا من الذات. إن المرأة التي تقبل على نفسها أن تكون ضحية من أجل (عيون) حبيبها (الرجل المعشوق) هي كتلك المرأة الغبية التي تثق بقلب مقاول الحب (كازانوفا)، والذي ضحك على النساء، وقد وصل عدد تجاربه مع النساء إلى 565 تجربه. يقول نزار قباني (المرأة تقبل بعصفور واحد، والرجل مقاول نساء). أقول لا تضحوا بسعادتكم من أجل عيون أحد. حاولوا ولو استرداد قطع من سعادتكم المهربة. مهما كانت صورة مجد التضحية براقا ومغريا، فإن ثمنه كبير، وهو خسارتكم لنعمة الحياة. وإن بداية طريق السعادة أن تتخلى عن مفهوم أن تكون ضحية للآخر. فهل كانت ليلى تستحق كل ما جرى على قيس؟ يقول قيس:
(بَرى حُبُّها جِسمي وَقَلبي وَمُهجَتي
فَلَم يَبقَ إِلّا أَعظُمٌ وَعُروقُ
فَلا تَعذِلوني إِن هَلَكتُ تَرَحَّموا
عَلَيَّ فَفَقدُ الروحِ لَيسَ يَعوقُ
وَخُطّوا عَلى قَبري إِذا مِتُّ وَاِكتُبوا
قَتيلُ لِحاظٍ ماتَ وَهوَ عَشيقُ)
واختلف مع نزار قباني حينما قال: (قد مات شهيدا يا ولدي، من مات فداء للمحبوب) أو (قد تغدو امراة يا ولدي، يهواها القلب هي الدنيا ) إن كثيرا من أغاني عبدالحليم حافظ والأطرش وأم كلثوم وإليسا وكاظم الساهر رغم جمالها، إلا أنها تكرس مفهوم التضحية والرق السيكولوجي والعبودية، وتقود إلى تعملق مفهوم التضحية والمازوشية. السعادة تحتاج تمردا، وأول عصيان مدني لها أن تكسر تمثالا من تعشق. وعلم نفس السلوك يركز على أهميةً الحب، لكن شريطة عدم الأسر، والاحتياج الشديد. لهذا لا أتفق مع أحلام مستغانمي عندما قالت (أي علم هذا الذي لم يستطع حتى الآن أن يضع أصوات من نحب في أقراص، أو زجاجة دواء نتناولها سرًّا، عندما نصاب بوعكة عاطفية بدون أن يدري صاحبها كم نحن نحتاجه). أحبب، ولكن لا تحتاج، فالسعادة ألا تحتاج أحدا في صناعة مملكة سعادتك. ويقول الإمام علي “ع” (احتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره). الاحتياج في الحب اجتياح، والحنين يتحول إلى سكين، والذكريات الى طعنات. كن ممتلأ بذاتك، فائضا بجمالك، فإذا جاءك جمال، فجمال على جمال، وإذا لم يأت، فأنت مكتمل بجمالك، ولا تعاني نقص جمال.