العدد 3702
الإثنين 03 ديسمبر 2018
banner
مستشارون في الدول العربية (1)
الإثنين 03 ديسمبر 2018

عندما تكون هناك سلسلة من المؤتمرات السنوية؛ تنشأ ألفة بين الذين يحضرون المؤتمر باستمرار، وهذا ما حدث في أحد المؤتمرات العربية التي حضرتها عدة مرات، والتي تبدأ بحفل استقبال قبل الكلمات الرسمية، فوجدت شاباً يحضر أول مرة، وواضح أنه يريد الاندماج في الجو فوقف إلى جانبي وعرفني بنفسه أنه حاصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة مرموقة، ويعمل مستشاراً لوزير التجارة في بلده، من باب المجاملة سألته عن المسؤوليات التي تناط به، فراح يشرح ويعدد، لكنه في منتصف الحديث كان كمن يتذكر أموراً، فأخذ وهج حديثه ينطفئ شيئاً فشيئاً.

عندما اطمأنّ الشاب إلى أنّه ليست لي معرفة بوزير التجارة في بلده، وربما يصعب أن تكون هناك علاقة؛ اقترب أكثر مني وبصوت شبه هامس قال: “لكنهم لا يستمعون إلى توصياتي، فكثيراً ما تلعب السياسة دورها في حرف العربات عن مساراتها، غالباً ما يطلبون مني أن أعيد شرح مناطق الفشل في عملنا على أنها نجاح ولكن الناس لا يفهمون، والأرقام تقول إننا بالسالب هنا، لكنه النجاح بعينه، ولو أن الجمهور على درجة من الوعي لأدرك هذا...”.

المستشار الشاب كان يروي بعض القصص عن وزيره الذي يريد منه أن يُخرج تقاريره بصيغة إيجابية جداً، وذلك حتى يؤكد الوزير أنه يُحسن أداء عمله، بل إن الأرقام التي تصله من مكتب الوزير غير صحيحة، وتم اللعب بها حتى لا يعلم بالحقيقة أحد حتى هو، وهو المستشار في الوزارة، وذلك لئلا يبدأ البرلمان بالحديث، وتتولى الصحافة الفرقعة والقعقعة وتبدأ الضغوطات من كل جانب، فمادامت الأمور تسير، ولو بالترقيع، فيمكن كنس الحقائق التي لا يراد لأحد معرفتها تحت السجاد، وبعد ذلك تنتهي فترة الوزير، فيتولى الأمر وزير غيره ليعالج الأمر نفسه كما عالج هو العفن الذي خلفه من سبقه.

بدوري سرحت والمستشار الشاب يتحدث، متذكراً كم من المسؤولين الذين يدبجّون التقارير المزيفة، ويطمسون الحقائق، مستخدمين علم وذكاء وقوة مستشاريهم في هذا الأمر، وكم هو حجم الخسائر المترتبة على الأوطان نتيجة تنظيف التقارير من الحقائق التي يجب أن تعالج ولو بإعلان المسؤول عدم قدرته تحمل المسؤولية... قطع سرحاني عزف السلام الوطني إيذاناً ببدء أعمال المؤتمر.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية