العدد 3443
الإثنين 19 مارس 2018
banner
هوكينغ... عليك من ربك ما تستحق
الإثنين 19 مارس 2018

أكثر ما تذكرته في مسألة وفاة العالم البريطاني ستيفن هوكينغ، تلك النكتة التي تقول إنه عندما نزل سكان الفضاء إلى الأرض، تساءلت الشعوب عن كيفية التواصل معهم، والاستفادة المتبادلة، وعلومهم، وشكل بلادهم، بينما تساءل العرب عن كيفية مضاجعتهم! فقد حملت الأيام القليلة الماضية كمّاً كبيراً من القرف والدعوة للاستفراغ، إذ هناك من يناقش حلية الترحّم على هوكينغ من عدمها، ربما لاشتغاله بالكون والفضاء، فلقد أصبح موضوع الترحّم من الأشغال الشاغلة للناس في الفترة الأخيرة، حيث ينكفئ البعض على أنفسهم للمراجعة أتجوز الرحمة على غير المسلم أم لا؟! وينتقدهم من ينتقدهم من أهلنا، وبالمنطق ذاته المضيّع للوقت والجهد والطاقة، في تفنيد موضوع الترحم، وماذا فعل المتشددون في هذه المسألة، وماذا أضافوا إلى البشرية، وينشغل هذا بذاك، فلا الفريق الأول خرج من حفرته التي يزيدها تعميقاً كل يوم، ولا الفريق الثاني مدّ له حبلاً أو سلّماً، أو حتى تركه في حاله واشتغل هو على تحقيق “الإنجازات” التي يقول إن الفريق الأول لم يحققها.

ومسألة الترحّم والتّرضي وكذلك الشتم واللعن، وغيرها من الأمور التي نجعل لها قدراً كبيراً، هي لا تعدو “دعاء” نتوجه به إلى الله جلّت قدرته، راجين منه أن يحيط به الشخوص أو الأمم أحياناً، ولكن أعلى هذا الأساس يدخل الناس في رحمة الله أو يخرجون منها؟ فلقد سبق أن دعا من سبقونا بالترحّم على مخترع مكيف الهواء الذي أحال لاهب الحرّ برداً وسلاماً، ودعوا إلى مخترع السيارة الذي قصّر المسافات، ومخترع الثلاجة الذي جعل الطعام يحفظ بمدة أطول مما كانت عليه الأوضاع قبلاً، وبرّد الماء... الخ، ولم يردّهم أحد، ولم يُنكر عليهم ناكر، فما بالنا اليوم وقد ضاقت صدورنا، وحُشيت قلوبنا بكل هذه الحواجز، كيف وضعنا لأنفسنا قيمة جوفاء لا حقيقة لها ولا إسناد بأن دعاءنا سيدخل الجنة من نشاء، ونقذف في النار من نشاء، في تطاول على جميع التعاليم الدينية التي تكل أمر المخلوقات إلى الخالق، وتدعونا للانشغال بأنفسنا لأن (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)، المدّثر: 38، و(وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، فاطر: 18، وكثير من الآيات والأحاديث التي تفوّض أمر المخلوقات إلى خالقها، حيث لا ينفعها استغفار العباد، ولا يضرها لعنهم.

إنه لمما يدمي القلب والروح معاً أن تكون هذه الأمور هي غاية ما نأتي به، وخلاصة ما نصطرع عليه، وأهم ما يشغلنا في حيوات البشر أو بعد وفاتهم، لما يكشفه من خواء متعدد الأوجه، يشير جزء منه إلى أننا نعلي من قدر أنفسنا بشكل كبير في الوقت الذي نتفضل فيه على الآخرين من دوننا بالرحمات أو الرجمات. وأن البشرية في خدمتنا وعملنا يقتصر على توزيع الناس إلى أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة، وأن نصطف فريقين نشجع التحريش بين رجعيينا وتقدميينا بينما العالم يمضي بعيداً... بعيداً.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .